
تأمّلات…
عَجَبي ممّن يمضي أيّامهُ وهو يُنفق من أموالٍ لم يُحصّلْها بعد،
وممّن يُغادر دنياه بعد أن شقيَ عمراً التذَّ فيه بجمعِ ثرواتٍ يُخلّفها لغيره بعد أن حرم نفسه من التنعّم بها،
ومن دفعه الشغَف المتزايد إلى الاستيلاء على أرزاق غيره إلى حدٍّ لا تستطيع أمعاؤه استيعابها،
أو من يغزو أملاكَ سِواه ويقتل من تواجد عليها، ويسبي النساء معلّلاً ذلك بأمرٍ من عند خالقه،
أو من يزهق أرواح الناس والعائلات، عبر شاشات المراقبة عن بُعد، الموصولة بكاميرات مركّزة فوق الأسلحة المتطورة الحديثة، ويضغط على زر إطلاق صاروخ مدمّر يقضي على كلّ من تواجد لدى اصتدامه، كلّ ذلك وكأنه يلهو بممارسة لعبةٍ على الكمبيوتر،
وإلى ما هنالك من تناقضات أوجدتْها الأنظمةُ الجديدة والتي حلّلت للأسماك الكبيرة أن تبتلع الصغيرة منها إلى ما بعد حدودِ طاقة امعائها…
ألا نعتبِرُ من تاريخ الذين سبقونا؟
كلّهم ماتوا!…
نعم، كلّهم ماتوا! كلّ الذين تغطرسوا وبطشوا وغزوا أوطانَ سواهم، وعاثوا فساداً على وجه الأرض، وقتلوا وسرقوا ونهبوا! كلّ الأباطرة والسلاطين والملوك والأمراء والديكتاتوريين والمتسلطين والحكّام من أيّة مرتبة كانوا، كما كلّ جيوشهم وضباطهم وممثليهم… كلّهم ذهبوا إلى غير عودة، ولم يأخذ أيٌّ منهم مقدار أُنملة في رحلته الأخيرة… كلّ ما جمعوه من خيرات هذه الدنيا في حياتهم بقي عليها بعد مغادرتهم!
وأما الذين خافوا ربّهم ولم يتمكّنوا من الدفاع عن أنفسهم أو أرزاقهم أو أوطانهم فقد قضى الكثير منهم نحبه قبل أوانه، ولم يتمكّن أيّ منهم، لدى مغادرته، أن يحملَ معه حتى خِفَّيه!
لا، لم أفهم سرّ هذا التقاتل على احتراز ما لن نملكه إلّا لِزمنٍ قصير، ولا نعلم وقتَ الرحلة الأخيرة إلّا عند قدومها غير معلنةٍ عن نفسها!