النحلة اللبنانيّة مقابل النحلة الأوروبيّة، ما هو الفارق؟

النحلة اللبنانية

النحلة اللبنانية

النحلة الأوروبية

النحلة الأوروبية

خلافاً لما كان يفعله اترابي في ذلك الزمن من لعب وجعدنة لتمضية أوقات فراغهم قرّرت وانا في الخامسة عشرة من عمري ان ابدأ بعمل ما يدرّ علي مدخولاً دون ان يلهيني عن مواظبة دراستي. وبما اننا كنّا نمضي كل عطلة نهاية الأسبوع كما فصل الصيف بأكمله في مزرعةً كان يملكها والداي في قرية وادي الزينة والتي تقع على طريق صيدا بين بلدتي الجيّة والرميلة، فكّرت بأن أقوم بعمل زراعي. وكانت المزرعة متواجدة على هضبة تطلّ على البحر المتوسط وعلى نحو مئتي متر من الشاطئ، وكنا لا ننام إلاّ على دغدغة صدى أمواج البحر لآذاننا. وكانت تحتوي على مزارع للدجاج البيّاض، مزرعة للبقر الحلوب كما ان باقي الاراضي كانت تستثمر لزراعة الخضار على أنواعه كما أشجار الفواكه من ليمون وأفندي وموز وجوافة وغيرها. وكانت طريق الدخول الى المزرعة خرسانية مغطّاة بفيء العرائش المحمولة على هياكل مصنوعة من مواسير معدنية مدهونة باللون الأخضر ولها قمة على شكل قوس تسمح للشاحنات بالمرور دون ان تلامس عناقيد العنب التي لوَّنها نور الشمس فأضحت لمن يمر تحتها وكأنها زينة إنارة لحفلة عرس.

وكانت طريق مدخل البيت الذي كنّا نسكنه تتفرع من طريق المزرعة وتنحدر تحت العرائش الى ان تصل الى ساحة خرسانية مكشوفة يستعملها الضيوف مرآباً لسياراتهم. وكانت ثلاث درجات تفصل الساحة عن الحديقة المغطاة بالعشب الأخضر الذي تكلله ممرات ومقاطع مزروعة بأنواع مختلفة من الورود والزهور وأشجار صنوبر ونخل وغيرها. وحيث ان شحٌة المياه كانت لا تسمح للكثيرين بزراعة حدائق حول منازلهم كان الكثير من الأقرباء والاصدقاء يعرّجون على البيت لشرب فنجان قهوة وقضاء بعض الوقت.

كانت وزارة الزراعة اللبنانية تشجع نمو انواع من الاستثمار الزراعي وكانت تصدر نشرات تعرّف كل مهتم بامور تلك الزراعة واذكر منها تربية الفرِّي والنحل. بعد قراءة ما توفّر، وكانت المعلومات شحيحة في ذلك الوقت، قرّرت ان أغوص في تربية النحل، علّ قطاف العسل يفي بكل جهد وعمل!

نصحني أحد الخبراء في الوزارة، قبل ان أباشر في مشروعي، ان أقرأ كتاباً بالفرنسية عن النحل اسمه: Le rucher de rapport
فذهبت الى “مكتبة أنطوان” في “باب ادريس” وطلبت نسخة لم تصلني إلا بعد قرابة الشهرين! قرأت الكتاب بشغف من الدفّة الى الدفّة، ولم اختصر قراءة المقاطع التي تشرح فيزيونومية الحشرة!

بعد ان انتهيت من مطالعتي هممت بشراء العدّة اللازمة من عتلة، الى قناع ، الى منفخ الدخان، الى كفّي الحماية، الى ما هنالك… وكان علي ان اشتري قفران نحل لأبدأ بها مشروعي. وبعد السؤال تبين ان قريباً لي من بلدة جون، زوج ابنة عمي منى، واسمه نبيه سعد (رحمه الله) كان لديه نحو ثلاثين من تلك القفران يريد بيعها. إنما تلك القفران كانت من النوع البلدي المصنوع من القصب والطين وذات الشكل الأسطواني. تمت الصفقة وقمنا بنقل القفران بعد تغليفها ليلاً بأكياس جنفيص (طبعاً استعنت بأناس من ذوي الخبرة).

المرحلة الثانية كانت بنقل النحل الى قفران حديثة خشبية. وبعد السؤال تبين ان المنشرة الوحيدة المتخصصة بصناعة تلك القفران كانت متواجدة في منطقة الصيفي المحاذية لساحة البرج في وسط بيروت وبالأخص في وسط السوق العمومي (أي للذي لم يفهم “سوق العاهرات” والذي كان مشروعاً تحت نظر ومراقبة الدولة). وكنت اشتري القفران على دفعات، كل مرة ستة منها وهو اكثر ما كان بالإمكان تحميله بسيارات الأجرة. إنما كنت أخشى فى كل مرة ان يصدفني أحد الأقارب او الاصحاب ويسألني: “ماذا تفعل هنا؟” هل كان ليصدّق أني أشتري خشباً؟

بعد ان جمعت القفران ودهتنها باللون الأبيض، استعنت بأحد الإختصاصيين الذي قام بنقل وحدات النحل الى القفران الحديثة. بعد ذلك جاء دوري لإكمال المهمة…

في بعد ظهر احد الأيام، في نهار زرقة سمائه لا أنساها ، واذ كان بعض الزوّار يشتفّون القهوة في الحديقة مع والديّ، ارتأيت ان ابدأ عملي وأكشف على أحد القفران والذي كان موقعه على مقربة من المنزل. وكنت قرأت في الكتاب الفرنسي انه لا داعي للبس القناع، أو الكفوف الواقية. فما ان تنفخ دخاناً في مدخل القفير إِلَّا وتجد النحل يغُبُّ العسل للإنتقال والسفرخوفاً من ان يكون قد اندلع حريق في الوحدة. اما وهنّ ثكلى في العسل فلا يستطعنّ اغراز لاسِعِهنَّ في احد!

كنت أرتدي قميصاً من الجوخ السميك وسروالاً من قطن لا بأس في سماكته وحذاءً من جلد مع جوارب قطنيّة. فقلت أني لن اطبّق كل ما جاء في الكتاب فوضعت القناع الخاص ولم ألبس الكفوف الخاصة. إلا ان ما قرأته كان يتعلّق بالنحلة الأوروبية وليس بالنحلة اللبنانية او الشرق أوسطية. فما ان نفخت الدخان ومن ثم هممت لفتح الغطاء الداخلي بواسطة العتلة وكان النحل قد الصقه بالشمع العسلي، صدر صوت طقّةٍ اذعرت جموع النحل بشكل لم أر مثله من قبل. فما هي إلاّ هنيهة حتى دوّى طنين الآلاف منها حائمة حولي وكل من غنم منها باي مساحة مهما صغرت من جسمي الا وغرس لسعته الإنتحارية فصرت لا ارى انملة من بشرة يديّ الا مغطاة بالجحافل المهاجمة! أقفلت القفير وهرعت صوب البيت والعقص مستمر بلا هوادة حتى عبر ثيابي وبالأخص على كتفيّ وكاحليّ. حِينَئِذٍ، شمّع الضيوف الخيط وهرولوا الى سياراتهم بينما هرب والداي نحو الداخل واقفلا كل النوافذ. هرب الجميع ما عدا ابو محمد رمضان وهو صياد بحري قديم وقد تولى الإشراف على المزرعة حتى وفاته. فما رأيته إلا وقد هب لنجدتي فسلخ بيديه غصن نخيل وأخذ يضرب جموع النحل يميناً ويساراً لإبعادها عني. الا انه نال نصيبه مما يزيد على الثلاثين عقصة. اما أنا فنلت حصّة الأسد مما فاق المئة لسعة!

تورمت يداي فأصبحت كل يد وكأنها رغيف خبز له أصابع بينما انتفخ كتفاي فاضحيت كلاعب الفوتبول الامريكي الذي يرتدي الحمايات اللازمة. اما كل كاحل فكاد يلامس الآخر عندما أمشي!

بالنتيجة، كان الدرس الذي تعلمته مهماً: ليس كل ما تتعلمه عن النحلة الأوروبية يمكنك أن تنتظره من النحلة اللبنانية الشرق أوسطية. النحلة اللبنانية لسعتها اخطر.

قياسي

8 آراء حول “النحلة اللبنانيّة مقابل النحلة الأوروبيّة، ما هو الفارق؟

    • Certainement! J’ai exploité l’apiculture pour plusieurs années jusqu’au temps où mes études à l’université ne me permettaient plus de le faire. Le seul inconvénient était d’endurer le fait que:
      لا بد دون الشهد من إبَر النحل

  1. Nabil Bahri كتب:

    Alors la difference entre l’abeille Europeenne et l’abeille libanaise est l’endroit des boiseries.
    Blagues à part, très bon article.
    I enjoyed every paragraph. Thank for sharing

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s