The worldwide Casino we live in

img_6064

Over the last three decades, the world has evolved at an unprecedented pace.
In a non-distant past, it was feasible for a hard working middle class individual to achieve his dreams and aspire to lead a better life. This no longer possible as it was before.

Government shortsightedness, legislations, rules and regulations helped greedy individuals, corporations and associations succeed at the expense of the middle class.

Small investors aiming to make a living out of their investment were bound to lose their capital in the attempt to build a small business. Below are some examples on the options available to a family with a couple hundred thousand dollars to invest?

Bank deposit
At current interest rates, the yearly bank deposit returns on this amount would barely compensate for the inflation rate!

Real Estate investment
Such a small investment is insufficient for a substantial acquisition that will generate a revenue allowing for a family to make a living!

Open a restaurant
Opening a new restaurant or buying an existing one will not permit a family to survive off of it in the actual market. Government regulations, taxes, advertisements, rental and services costs, competition make it tough to leave enough profits to make a living.

A restaurant franchise makes the franchisee feel like he is paying to get employed if not enslaved by the franchisor. The family is literally left with a fraction of the benefits and can hardly make a decent living in spite of the hard work!

Open a retail store
This is becoming the fastest way to lose your money. Competition is insurmountable and is dominated by two kinds of corporations:

• The multinational retailing corporations
1. Their rental costs are fraction of what a small retailers would pay.
2. Their buying power allows them way bigger discounts.
3. Their overheads are huge but their percentage ratio is lower.
4. They are less likely to be harassed by government agencies.
• The behemoth internet outlets
1. Could be located anywhere in the world.
2. Do not pay prime locations rents.
3. Do not have to pay municipal taxes and may be spared other taxes.
4. Do not need to hire well dressed sales personnel.
Adventuring in a Manufacturing workshop
“Free Trade agreement’’ fails to provide hope for such businesses; Items manufactured abroad by cheap labor, flood markets and leave no survival room for artisans. “Globalization’’ as called by politicians, has proved to be nothing more than an empty shell.

Invest in the stock market
The last resort for investors. Large corporations through brokers tell people: invest with us, sit back and watch us do the work for you. The big dilemma however is that no expert can really predict the path of an investment growth. But all are good to explain the reasons behind the fall of a stock only after it happens.

We have witnessed crashes in the stock markets over the last couple of decades. These crashes led to the melting of the savings of tens of millions of people who took decades to accumulate! It is said in chemistry “Nothing is lost, nothing is created…” It remains that we have to wonder who benefits from these losses at the end.

Conclusion
We are living in a worldwide Casino! The middle class is being wiped away by entities greed whose rapacity is limitless.

Urgent alterations in legislations are needed to reverse this cycle and protect small to mid size enterprises. Otherwise, we will end up living in a society that looks like an ocean contains big sharks and tiny fishes with no place for other middle size species!

قياسي

كيف تجنبت زواجاً قسرياً في العراق؟

img_1899

كنت في نهاية الشهر الاول من عملي الجديد في مشروع إنشاء مصنع الإطارات في الديوانيّة، والتي كانت تقع على نحوٍ من مئتي كلم جنوب بغداد عندما حدثت تغييرات مفاجئة في مكتب الورشة. كان المكتب عبارة عن مبنى مؤقت مستطيل الشكل مبني من جدران رفعت من بلوكات إسمنتية فوق بلاطة خرسانية. كان للمبنى مدخل واحد يؤدّي الى رواق يتفرّع نحو اليمين ونحو اليسار. أما القسم الأيمن فكان في أقصاه يحوي من ناحية مكتب مدير عام المشروع ويقابله من الناحية الثانية مكتب مدير المشروع وكان كلاهما ألمانيين يحسنان التخاطب والمراسلة بالإنكليزية. الى جانب مكتب مدير المشروع كان يتواجد مكتب المهندس التقني للمشروع وكان هندي الأصل بينما كانت تجلس مقابله زوجته التي كانت تعمل برتبة سكرتيرة للمراسلات باللغة الإنكليزية. من الناحية الثانية كان مكتب مخططات المشروع وكنت أشارك رسّامين هندسيّين إشغاله. اما القسم الأيسر من المبنى فكان يحوي مكاتب المحاسبة ومكتب نقابة العمال ومكتب السكرتيرة للمراسلات العربية والتي كانت عراقية جميلة المظهر وتحمل اسم ياسمين.

اما المفاجأة فكانت فصل المهندس الهندي وزوجته وترحليلهما بيوم واحد وما زلت لا أعلم لغاية اليوم السبب الرئيسيّ لذلك. صدر أمر من المكتب الرئيسي في لندن بتسليمي مهامه إنما لم يكن بالسهل إيجاد بديل عن زوجته. فالعراقيون والعراقيات في ذلك الزمن كان إلمامهم ضعيفاً باللغة الأجنبية. أما إستحضار اجنبي أو أجنبية لملء الفراغ فكان من شبه المستحيلات نظراً للوقت الذي كانت تستغرقه إجراءات التأشيرات! حتى الطابعات الآلية الكهربائية كانت مرفوضة خوفاً من أن تستعمل لأغراض سياسية. أما كل من كان يُرخّص له بالعمل على تلك الآلات الغير كهربائية فكان يتوجب عليه إجراء أختبار يتم خلاله أخذ بصمات طباعته ليتم التعرف عليه في حال نشر اي نصٍّ يتعرّض للنظام الحاكم.

وإذ كان عقد بناء المشروع يتطلب المراسلة باللغة الإنكليزية، كنّا نرسل كلّ خطاباتنا بتلك اللغة موجّهة للمهندس المقيم الذي كان يمثّل الدولة وكان له هو الآخرمكتب في الورشة يبعد نحو مئة مترٍ عن مكتبنا. وإذ كان النظام إشتراكياً بامتياز كان علينا تحرير طلبات الإستيراد مسبقاً وأخذ موافقة المهندس المقيم لتكملة المعاملات اللازمة وكان هذَا الأخير يجيبنا بالعربية وكنت أتولى مهمة الترجمة لمدرائي الألمان.

ذات يوم خميس بعد نحو شهرين من مهمتي الجديدة كنّا في صدد إنتظار ردٍ بالموافقة على طلب استيراد مواد للمشروع لإرساله مع مندوبنا الى بغداد. طلب مني مديري مراجعة المهندس المقيم لاستعجال الامر. لما قابلته اعلمني انه قد وقعه وما كان عليّ الاّ مراجعة السكرتيرات. كان لهنّ مدخل خاص من الخارج في طرف مبنى مكتبه.

كنت أرتدي قميصاً ابيض بأكمام قصيرة فوق سروالٍ كاكي قصير. قرعت الباب ودخلت لأفاجأ بوجود اربع سكرتيرات بدل الواحدة. كنّ يجلسن كل واحدة وراء مكتبها اثنتان في الصدر وواحدة من اليمين بينما الأخيرة من اليسار. ولم يكنَّ يرتدينَ العباءة السوداء اثناء عملهنَّ. كنَّ حسناوات الشكل والقوام ولم يكن بمقدوري ان أتفقد مظهر كل واحدة على حدة خوفاً من مغبّة تصرّف يتعدى الأصول!

عرّفت بنفسي وطلبت ما جئت من أجله لأفاجأ بأنهنّ ينظرن إليّ بعيونٍ تبرق ورموشٍ ترفرف وشفاهٍ تُغري اي امرئٍ بحركاتها. ظننت نفسي وكأني نجمٌ سينمائي حلّ عليهن فجأة ولا يصدقن أنهنّ وُجدنَ منه على هذا القرب! خجلت من نظراتهن مع ان هرمونات شبابي كانت في أوجها وأخذت انظر الأرض امامي خوفاً من ان تتشابك عيناي مع أعينهن! تسلّمت الموافقة الموقعة وعدت الى مكتبي.

وما مكثتُ الا دقائق واذ كنتُ أحدّق بالمكتب الفارغ في مواجهتي حتى رأيت احدى الفتيات الأربع تدخل الى غرفتي وقد غطّت العباءة السوداء جسمها ورأسها فيما عدا وجهها الذي كان بياضه يسطع وسط القماش القاتم. وقفت مرعوشاً وانا اتطلع الى تكاوين الوجه الذي لم تعبث به المساحيق والبشرة الناصعة التي لا يعكّر نعومتها الا آثار جرح قديم وصغير في أسفل خدها الأيسر… اما عيناها السوداوان فكانتا لا تخفيان انجذابها وكأنها وقعت في الغرام من أول نظرة!

قلت لها انه ليس بإمكاني استقبالها في مكتبي لأننا من جهة في ورشة بناء ومن ناحية اخرى لانها تعمل بمنصب أمينة أسرار المهندس المقيم. فيما كنت أكلمها كانت هي تنظر الي بعينين دبلانتين مسحورتين وكأنها لا تسمع ما اتفوه به فيما كانت ابتسامة صغيرة تزيّن شفتيها. وكنت اسمع خلال ذاك الوقت أحاديث رجال في الخارج الى ان ناداها مسؤول نقابة العمال فخرجت ولم تعد.

بعد حوالي نصف ساعة دخلت الى مكتبي ياسمين السكرتيرة وقالت: “ماذا فعلت بالبنات؟ لقد “تخبّلن” مُذ رأينك.” وعلمت منها ان التي زارتني اسمها “رحاب” بينما جاءت اثنتان أخريان، كلّ على حدة، وسألتاها عني.

بعد يومين أرسلت لي رحاب قالب كاتوه صنعته بنفسها إنما يبدو انها لم تنجح في طهيه لان قلبه كان لا يزال عجيناً. وبعد أسبوع أودع لي مرسل ظرف رسالة من النوع الذي كان يرسل جواً لأن محيطه كان مخططاً بأقلام عريضة زرقاء وحمراء مائلة. قبل ان أرى ما في داخله لاحظت ان طرفه ممزوق وقد أعيد إغلاقه بواسطة دبّوس إبرة. سحبت الدبوس وأخرجت الورقة الموجودة في الداخل لأجد رسالة خطّتها رحاب بيدها وبدأتها بالبسملة ثم كتبت: “حبيبي بشير. منذ ان وقعت عيناي عليك لم أعد أستطيع النوم. لا يمكنني تصور العيش من دونك ولو ليوم واحد…” لم أكمل القراءة ثم أخفيت الرسالة وتجاهلت انها وصلتني.

في عطلة نهاية الأسبوع واذ كنت اشتف القهوة مع رفيقي برفقة زوجة أحدهما في المنزل التابع للمجمع السكني الذي كانت الشركة تستأجره وإذ بالباب يُطرق. فتح احدهما الباب لنفاجأ بأن رحاب جاءت لزيارتي. دخلت الصالون وجلست وهي تبتسم. عندئذٍ انسحب الرفاق وخرجوا وكأنهم أرادوا إخلاء الساحة لي رغم إصراري على بقائهم. ارتبكت وأخذت أفتح ستائر واجهات المنزل الزجاجية ليرى من يراقب ان لا شيء مريب يحدث داخل المنزل. قلت لها أني مضطر لمغادرة المنزل ولا يمكنني إصعادها معي في السيارة. وعند استغرابها أعلمتها انه لا يجوز ان تقوم أية علاقة بين اي موظف من شركتنا مع أية فتاة تعمل لدى المهندس المقيم خوفاً من ان تتسرب الأسرار من فريق لآخر.

بعد أيام دخلت ياسمين الى مكتبي لتخبرني ان الإشاعات قد ملأت الأجواء عن علاقتي برحاب. قلت لها انه لا توجد أية علاقة ، أجابت كيف تقول هذا وهي قد أخبرت صديقاتها أنها سافرت معك الى كربلاء حيت مكثتما سوياً ثلاثة أيام وسافرت معك أيضاً الى بغداد حيث امضيتما يومين. أجبتها ان الخبرعارٍ من الصحة!

وكانت المفاجاة عندما قالت لي: “عندنا في العراق، إذا حصلت أية علاقة حميمة بين فتاة وشاب، فما على الفتاة إلا أن تختار اي رجل يعجبها وتعلن انه هو المسؤول. فإما ان يتزوجها وتنتهي المشكلة او تقوم عائلتها بقتله. فانتبه عَلى نفسك! الا تعرف قصة أحمد الذي يعمل مراقباً والذي اجبر على الزواج؟ “. عندئذٍ بدأت أتخيل نفسي في مطار بيروت وانا انزل سلم الطائرة وعلى يميني رحاب وهي ترتدي زيها المعروف!

صُعقت للخبر ودخلت مكتب المدير العام لأقص عليه الواقعة، وكان يدعى “سرج مِلر”. لم يكن بالسهل إفهام ألماني ما يمكن أن يحدث من علاقة بين شاب وفتاة في بلاد الشرق. بعد ذلك رافقني لمكتب المهندس المقيم لأنه كان لا يوجد مجال لإضاعة الوقت.

ما ان فتحنا الموضوع حتى رأيناه يضحك تارة ويقهقه طوراً ثم يعود ليبتسم اذ كان خبر علاقتي برحاب حديث الساعة وكان على كل شفة ولسان. لم يصدق نفيي للإشاعات وكان مقتنعاً أني رافقتها الى كربلاء وبغداد. وأعلمني أيضاً انه كان قد قرأ محتوى الرسالة التي كانت رحاب قد أرسلتها لي. وأخبرني انه كان يرسل أناساً لتتبعي حيث اذهب، الا أني كنت أفلت في كل مرة من ملاحقتهم (كنت اسلك طرقات فرعية لتجنب زحمة السير). بعد أخذ ورد طلب من الفتاة ان تحضر الى مكتبه. فلما حضرت أمامه سألتها: هل صعدتِ معي في السيارة؟ هل لمست بشرتك في اي مرة؟ هل وعدتك بشيء؟ هل…؟ هل…؟ وكانت الإجابة بالنفي.

عدت الى مكتبي مقتنعاً ان الموضوع قد طوي الى الأبد. بعد أسبوعين علمت ان الفتاة تم تسريحها من العمل. أسفت للخبر لأني لم أكن اريد ان أسبّب لها اي سوء.

بعد نحوٍ من شهر دخلت ياسمين الى مكتبي مجدداً لتخبرني أن ثمة إشاعات قد انتشرت بأن أهل رحاب يريدون قتلي لأني تسببت بإساءة سمعتها. وطلبت مني ان أكون حذراً في تنقلاتي.

بعد ذلك لم أعد أخرج الا للضرورة وبرفقة صحاب لي وداومت على ذلك حتى انتهاء مهمتي بعد شهرين من ذلك.

بعد تلك اللحظات التي عشتها في مكتب السكرتيرات لم أحظَ بفرصة ثانية تجعلني اشعر فيها بالتقدير الذي يحظى به النجوم!

قياسي

قصّة علاقتي بأحلام في بغداد

img_1887

وصلت مساء الخامس من كانون الثاني سنة ١٩٧٧ الى بغداد على متن احدى طائرات طيران الشرق الأوسط. اضطررنا للبقاء داخل الطائرة اكثر من ساعة حتى صعد على متنها احد أفراد المخابرات للتأكد من هويّة كلٍّ من المسافرين. كان ضخم الجثة تُغطّي رأسه قبعة سوداء من الفرو مستطيلة كراكولية الشكل من النوع الذي يُرتدى من الخلف الى الامام. اما معطفه القاتم اللون فكان من الجوخ الكثيف وكان يلفُّ شالاً بيجياً حول عنقه يكاد يخفي قبّة قميصه البيضاء وربطة عنقه. اما وجهه المكفهر فكانت معالمه لا تُخطئ في الدلالة على اصوله العراقية وبالأخص بعينيه الكبيرتين وشاربيه الكثيفين اللذين يأخذان شكل فرشاة.

وبرفقة شرطي متأهبٍ الى جانبه أخذ رجل المخابرات يتفرّس بكل جواز سفر ثم يحدِّق بعيونٍ ثاقبة لثوانٍ تكاد لا تنتهي في وجه حامله. ما ان أتى دوري حتى شعرت بنوعٍ من الامتعاض وبدأ جبيني يفرز عرقاً. أعاد لي جوازي ثم انتقل الى من تبقى من الركاب لإكمال جولته. بعد ذلك أفرج عن المسافرين فاتجه كلٌّ لأخذ حقيبته وتكملة مشواره.

في سيارة الأجرة التي كانت تقلُّني الى المنزل الذي كان بمثابة محطة لموظفي الشركة التي كنت اعمل لديها، بدأت أسترجع بذهني توصيتين اثنتين خصّني بهما احد رؤسائي: “لا تتكلّم بالسياسة وتجنب أية علاقة مع الفتيات العراقيات”.

مكثت عدة ايّام في بغداد حيث كنت انام ليلاً في المنزل الذي كان يقع في منطقة مسماة “عَرَصات هندية” بينما كنت امضي نهاري في العمل في مكتب الشركة الذي كان يقع في شارع الجمهورية. وكان مشروع بناء مصنع إطارات الديوانية الذي أوفدت للعمل فيه يتواجد على نحو ٢٠٠ كلم جنوب بغداد. اما عقد تنفيذه فكان بتعاونٍ مشترك بين شركة كتّانة اللبنانية وشركة “ديكورهوف اند ڤيدمان” الألمانية. اما عن بغداد فقد فوجئت خلال مكوثي فيها بحدائقها الجميلة ومنازلها المكسيّة بالطوب الأحمر الغامق والمبنية بتنسيق جيّد على شوارع أُحسن تفريعها. اما مطاعمها فكانت على درجة لا بأس بها خصوصاً اذا ما قورنت بباقي العواصم العربية.

وصلت الى مركز عملي في الديوانية وكان المشروع يبعد نحواً من ١٠ كلم عن المنزل الذي كنت أقطنه مع اثنين من موظفي الشركة التي كانت تحرص على إسكان كل فريق مع أهله. وكان المنزل يحوي ثلاث غرف نوم وصالوناً كبيراً وغرفة طعام ومطبخاً وحمامين وباحة خارجية محاطة بسورٍ عالٍ من ناحية الطريق تعلوه نباتات متسلّقة خضارها غامق وأزهارها حمراء. اما المدخل الخارجي للباحة فكان حديدياً دُهنَ بأسود تقلّش مع الزمن.

ما ان كنت في مسائي الثاني في المنزل حتى رنّ التلفون الوحيد الموجود في الرواق فهممت لأخذ المخابرة اذ كان كلٌّ من صاحبيّ بعيدين عن الهاتف. ما ان أجبت “آلو” حتى بادرني صوت ناعم “من أنتَ؟”. أجبت ” أنا بشير” فقالت “بشير من؟” فأجبت: ” أنا مهندس جديد وقد وصلت منذ يومين. مع من أتكلم؟”. قالت “أنا أحلام” فأجبت ” تشرفنا. بماذا يمكنني ان أساعدكِ؟”. قالت “أين آسيا؟” قلت “آسيا من؟” سألت ” أنت لبناني ولا تعرف آسيا؟” قلت “بلغت هذا العمر ولم اعرف أحداً يحمل هذا الإسم!” عندئذٍ قالت: “لا أستطيع العيش بدون آسيا ولا طعم للحياة بدونه! سأقتل نفسي، سأنتحر! ستقرأ الخبر في صحف نهار غد! انت آخر من أتكلم معه!” صعقت بالخبر واخذت احاول دون جدوى إقناعها بالعدول عمّا هي عازمة عليه الآ أني لم أفلح! بعد زهاء الساعة من الكلام أقفلت السماعة ولم تعطني اي انطباع بأنها ستحجم عن قتل نفسها!

بعد المخابرة التي خضّت مشاعري سألت رفيقيّ عن آسيا. أجابا انه كان مسؤولاً عن الكانتين التي كانت تقوم بإطعام مجمل عمال وموظفي الشركة وكان عددهم بالمئات وانه قرر الرحيل فجأة ولن يعود! وانه كان على علاقة حميمة مع احلام!

بعد يومين تلقيت مخابرة ثانية من أحلام. في البدء كنت سعيداً من انها لم تقترف ما لا تحمد عقباه الا انها ثابرت بترديد ما تنوي فعله وأنها لا تستطيع العيش بدون آسيا! ظللت أحاول ثني عزيمتها قائلاً انه لا يوجد رجل في هذا العالم يستحق ان تموت فتاة من أجله اذا فارقها… إلا أني كنت وكأني أتكلم مع جدار!

توالت المكالمات وهي تزيد من تهديدها بإنهاء حياتها الى ان قلت لها أني سأسافر في نهاية الأسبوع الى بغداد. واذ كنت شبه واثق بأني سأتمكن من إقناعها عندما القاها وجهاً لوجه بان تُحجب عمّا عزمت عليه كنت في نفس الوقت مرتعباً من ان أخفق في مهمتي وسألوم نفسي أذا هي أقدمت على الإنتحار.

كانت السيارة التي وضعت تحت تصرفي من نوع ڤولكس ڤاكن “الخنفساء” بيضاء اللون برازيلية الصنع. ومع انها لم تكن قد تجاوزت سنة من الخدمة الا ان قلة اهتمام التقنيين الألمان الذين كانوا يعملون في كراج الشركة كانت السبب الرئيسي لبعض الأعطال الميكانيكية التي كانت تحصل من وقت لآخر.

واذ كان نهار الجمعة يمثل نهار العطلة الأسبوعية استقللت السيارة نهار الخميس باتجاه بغداد وذلك بعد انتهاء اعمال النهار. واذ كنّا في فصل الشتاء والشمس تغيب باكراً، وسأضطرّ لقيادة السيارة في الظلام وإذ كانت الڤولس ڤاكن مجهزة ببطارية 6 فولت فلا أستطيع القيادة بسرعة تزيد عن ٦٠ كلم في الساعة لان سرعة السيارة كانت تتجاوز ما تنيره المصابيح الأمامية. لذا كانت تستغرق الرحلة اكثر من ثلاث ساعات! اما الطريق فكانت مستقيمة لدرجة آنه بمجرد رؤية ضوء سيارة آتية من الجهة المقابلة كنت انتظر نحواً من عشر دقائق قبل التقائها.

ما ان وصلت الى بغداد حتى اتصلت بأحلام لملاقاتي للعشاء في احد المطاعم. حضرت وكان برفقتها ابن شقيقها الذي لم يكن قد وصل الى الثامنة عشرة من العمر. قدّرت مجيئه خصوصاً لأني كنت في صدد مساعدة الفتاة.

اما هي فكانت شقراء، طويلة القامة، جسمها متوازن المقاسات تمشي وهي واثقة من أنوثتها، بيضاء البشرة ولها وجه فيه ما يكفي من الجمال ويزيد من إشراقه لون عينيها العسليتين. وكانت متمدنة في ملبسها من حذاء الكعب العالي الى التنورة الكحلية التي لا تخفي ركبتيها الى القميص الحريري الملّون برسوم أزهار والذي كانت ازراره امامية تخفي جسمها فيما عدا ما تحت رقبتها الممدودة حيث كانت تلبس أيقونة معلقة بسلسلة ذهبية.

جلست بجانبي بينما جلس ابن أخيها في المقابل. ما ان وضعنا طلبية الأكل حتى بدأت تروي لي قصة آلامها. كانت عيناها تغرورقان بالدمع طوال الحديث فاحتسينا الشورباء وهي تردد ما كانت تقوله لي في المخابرات الهاتفية بينما كنت أحاول بشكل متجدد إقناعها بان الأمور ستتحسن وان الحياة أمامها ولا داعٍ لذرف الدموع على من لا يستحقها.

ما ان حضر الطبق الرئيسي وكان “ستيك” مع البطاطا والخضار المسلوقة حتى بدأت تنفرج أساريرها وبدأت ملامح الاسى تختفي من وجهها. وما هي الا دقائق حتى رأيتها تقتطع بشوكتها وسكينها قطعة صغيرة من اللحم في صحنها وترفعها بالشوكة نحوي وهي تحرك رموش عينيها وكأنها تطلب مني ان افتح فمي. تلقمت القطعة وأخذت امضغها على مهل وانا أسائل نفسي: هل من واجبي ان أبادلها بالمثل؟ ألا يقتصر هكذا تصرف على العشاق؟ أم ان للعراقيين عادات لا توجد عند سواهم!

لم أعد الى بغداد الا بعد ثلاثة أسابيع. لم تنقطع الإتصالات الهاتفية وكنت اواسيها في كل مرة على ما فقدت. ما ان التقينا على الغذاء في احد المطاعم حتى بادرتني بقبلة على خدي. كانت ابتسامة عريضة تزيّن وجهها. بعد ان تناولنا الطعام صعدت الى جانبي في السيارة وطلبت مني ايصالها الى منزل اختها وأخذت تدلّني على الطريق. وما ان وصلنا الى منطقة الكرادة حتى تطلعت نحوي بعينين متدبّلتين وبادرتني بصوت كله نعومة قائلةً:” لقد تكلّمت مع والدي فيما يتعلّق بعلاقتي معك”. واذ كانت قد أعلمتني ان والدها ضابط كبير في الجيش فقد سكّت ركبتاي وبدأ جسمي يفرز عرقاً.

وما أنا أفكر فيما قالته لي واسأل نفسي هل أنا في حلم أم في واقع حتى دخلنا في دوّار كبير لم أرَ مثيلاً له من قبل. كان يتّسع لخمس او ست سيارات دفعة واحدة. أبطأت سيارة امامي ففرملت. الا ان محرك سيارتي انطفأ. حاولت إشعاله مجدداً دون جدوى. فكان علي ادفع السيارة من الوراء لإعادة تشغيل المحرك. سألتها “هل تحسنين القيادة؟” أجابت “نعم”. نزلت من ناحيتها ودارت من امام السيارة لتجلس مكاني. وضعت الڤيتاس على السرعة الثانية ثم شرحت لها انه يجب عليها ان تبقي الضغط برجلها اليسارعلى دعسة الدبرياج حتى اصرخ لها فترفع رجلها فإذا دار المحرك تعود لدعس دعسة الدبرياج حتى ادخل السيارة واضع الڤيتاس على المحايد واستلم المقود. واذ كانت تجهل القيادة، حاولت دفع السيارة خمس او ست مرات الا ان المحرك كان ينطفئ مجدداً.

لم يتوقف احد لمساعدتنا. كان لا بد ان تدفع هي السيارة بينما اجلس أنا وراء المقود. نزلت احلام من السيارة وكانت ترتدي فستاناً لونه أحمر ساطع يصل الى ما فوق الركبة، ضيق على الخصر بينما يتسع في أسفله بشكل جرس. ما ان انحنت لتدفع السيارة حتى ارتفع أسفل الثوب من الوراء وظهر للقادمين من ورائنا ساقان جميلتان ببياض أخّاذ. خلال ثوانٍ دوّى صرير إطارات السيارات التي توقفت وعلا صوت الزمامير. بعد لحظات وصلت الشرطة واقتادتني مع الفتاة الى المخفر.

كان يغيظ أفراد الشرطة ان يكون اجنبي يصطحب فتاة عراقية. شرحت لهم أني كنت بصدد ايصالها الى منزلها ليس الا. افرجوا عن أحلام التي رجعت الى بيتها في سيارة أجرة بينما أطالوا التحقيق معي ثم افرجوا عني بدون السيارة التي اضطررت للمجيء بعد يومين مع أوراق إثباتية إضافية لاستعادتها.

بعد تلك الحادثة تحاشيت التواصل مع احلام ولا ادري ما حصل لها.

 

قياسي

غراميّات على شاطئ رملي

img_1865

في بداية العشرينات من عمري عندما انهيت السنة الدراسية في كلية الهندسة بعد اجراء امتحانات في غاية الصعوبة، كنت في أشد الحاجة للراحة والاستجمام. لذا قصدت الشاطئ الرملي الذي لم يكن يبعد كثيراً عن منزلي، بعد ان ارتديت لباس سباحة ازرق اللون ولبست فوقه سروالاً كاكيّاً قصيراً بينما غطّى القسم الأعلى من جسمي قميص قطنيٌّ ابيض له أزرار امامية تسمح لي بالإفراج عن الصدر بالقدر الذي يحتاجه تبعاً للحرارة الجوية. وهذا دون ان ننسى قبعة القش والمنشفة.

اما قصّتي مع البحر فبدأت مُذ فتحت عينيَّ على الحياة. كان منزلنا العائلي يعتلي هضبةً تبدو وكأنها وجدت لتراقبه. ففي كل يومٍ سماؤه زرقاء وصافية وأفقُه مرئيٌّ وواضح بينما موج البحر مائل الى الهدوء، كان قلبي ينعم بعشق الحياة وآمالي تكبر بخيرٍ آتٍ. ونشوتي للحياة كانت تعظم أيضاً حين كانت الشمس تتوارى وراء الأفق وتأخذ وقتها قبل ان تبلل نفسها وكأنها برتقالة في الامد خائفة من ان ترش كل ما كان حولها لدى ارتطامها بسفح المياه. اما في نهار جوَّه مكفهر فكان موج البحر الهائج يرتطم على الصخور ليزيد من رهبة المشهد كما نجد في الدور الذي تلعبه الموسيقى في فيلم سينمائي مرعب. اما خلال الليل فحدث ولا حرج اذ كان صوت الامواج رفيق وسادتي فتنصت أذناي الى ما لم أكن لأراه. ترعرعت على ان أحبّ البحر وأخشاه في آن معاً وحلمي ان تمكنني الأيام من ان اعود للعيش على مقربة منه.

وصلت الى الشاطئ وهو عبارة عن شبه خليج طوله حوالي الثلاثة كيلومترات وشطّه كله من رمال ناعمة فاتحة اللون يكاد من يمشي عليها يخال نفسه وكأنه يخطو في حلمه. وخوفاً من ان تحرق الرمال الساخنة اكفّ قدميّ، كنت أرتدي شبشباً بلاستيكياً كنّا نسميه “ابو إصبع”.

وما ان وصلت الى وسط الشاطئ واذ بي أصادف رتلاً من الاصحاب كانوا قد نصبوا خيمة مستطيلة مفتوحة الجوانب وذلك للوقاية من أشعة الشمس التي كانت تسطع في ذاك اليوم من أواخر شهر حزيران. دعوني للجلوس معهم فقبلت. خلعت قميصي وسروالي ووقفت أتأمل الرواد الذين كان الشاطئ يغصّ بهم…

في تلك الأيام التي سبقت الخلويات، حتى الهواتف السلكية القديمة لم تكن قد توافرت بعد في معظم البلدات. إنما اجهزة الرصد والترقب كانت موجودة على كل الشرفات والنوافذ لتنقل الأخبار بسرعة قد تضاهي ما نجده في اجهزة اليوم. فكلما زرت صديقاً ما في احدى القرى، كان الخبر يصل الى اهلي مع السؤال: بنت مَن كان يقصد؟ لذا كان عليّ توخي الحذر في تنقلاتي وكنت أظن نفسي اكثر حظاً ممن سبقني لان ذاك الجيل كان شبانه وشاباته يتخاطبون “بالعصفوري” لكي لا يفهم احد غريب ما يقصدونه. وكان ذلك بإدخال حرف الزين في وسط الكلمات.

وما أنا في تأملي الى ان دخلت الخيمة فتاة في غاية الجمال كنت قد قابلتها سابقاً. كانت ترتدي مايوهاً اسود من قطعتين يعطي جمال جسدها رونقاً خاصاً. بادرتني السلام وجلست بقربي على الرمال. كان شعرها الاسود القاتم يغطي قليلاً من كتفيها وله تموجات طبيعية تعطي الإنطباع بأنه تم تصفيفه. اما عيناها العسليتان اللتان تغرقان وسط بياض ناصع تحدّه رموش علوية وسفلية سوداء ويكللهما حاجبان طبيعيان فكانتا تشعّان دفئاً جذاباً لا يوصف. اما الشفتان فكأن الخالق قد ابدع برسمهما دون ان ينسى ان يعطيهما لوناً يُرى ولم يكن بمقدور صانعي المساحيق تقليده!

بعد ان تحادثنا بعض الوقت شعرت بتبادل انجذاب فيما بيننا فكنت ارى كثافة في رطوبة بياض عينيها الذي بدأ يأخذ القليل من الإحمرار فقررنا التواري لبعض الوقت عن العيون المترقبة التي كانت ترصدنا.

وإذ كان الشاطئ يغصّ بالزوّار واذ كان يوجد قارب مطاطي مع الفريق الذي كنّا معه، قررنا الإبتعاد به الى عمق البحر. فسحبناه على الرمال حتى المياه ومن ثم فوق المياه حتى بلغنا عمقاً يوازي الركبة فقفزنا في داخله.

تمركزت ناحية المجاذيف بينما جلست هي من الناحية المقابلة. أخذتُ اجدّف بكل قواي لأبعد عن الشاطئ بينما كانت الامواج المتلاحقة تردّ القارب باتجاه اليابسة مرةً بينما تغيّر اتجاهه مرة اخرى. وكنت اذا اتجه نحو اليسار أجدّف بيساري لاردّه نحو اليمين ثم تأتي موجة جديدة فتلطم القارب عن اليسار فتحول الاتجاه نحو اليمين ثم أعيد الكرة من اليمين لأعيده نحو الإتجاه الصحيح الى ان تأتي موجة ثالثة فتحوَّل الإتجاه كلياً نحو اليسار.

بينما كنت أتخابط مع الأمواج سألت مرافقتي: “هل أنتِ خائفة؟” أجابتني:”كيف أخاف وأنا برفقة رجل؟” عندئذٍ شعرت وكأني تناولت جرعة من “السبانخ” التي كان يتناولها “بوباي” في حلقات الصور المتحركة فانتفخ صدري وأخذت اضرب بكل ما أوتيت من قوة تارة من اليمين وطوراً من اليسار آملاً بالوصول الى الأمان في أسرع وقت!

إلا ان الأمواج بقيت تتوالى الواحدة تلو الأخرى والزورق يتجه نحو اليمين لأعيده نحو اليسار والعكس بالعكس دون هوادة الى ان ألمّ برأسي دوار البحر وأخذ يزيد وأنا غير عابئ به الى ان انهرت كلياً على القارب وأسلمت جسدي كمن يسلم الروح!

فما كان من صديقتي إلا ان قامت بمهمة التجديف للعودة الى شط الأمان! ما ان وصلنا حتى قامت بمساعدتي على التمدد على الرمال علّ الدوار يفارق رأسي إلا انه لازمني أكثر من يومين…

لم ألقَ الفتاة بعد ذلك بعد ان احسست بأني فشلت في ابسط المهمات!

 

 

 

قياسي

حكاية مظاهرة طلابيّة في عهد الرئيس صائب سلام

خلال السنة الدراسية ١٩٧٢-١٩٧٣ في لبنان كانت التحركات الطلاّبية في أوجّها. وما ميّز تلك الفترة بالذات كان اتفاق افرقاء اليمين واليسار لأول مرة على خطوط مشتركة لتفعيل وتحقيق المطالِب الطلاّبية. وقد لعب دوراً بارزاً فريق كان يحمل اسم حركة الوعي.

آنئذٍ كنت رئيساً لرابطة طلاّب كليّة الهندسة في الجامعة اليسوعية. لذا كان عليَّ تمثيل كليَّتي في الإجتماعات الطلابيّة كافةً. فاشتركت في مؤتمر دام يومين في قاعة الاونسكو في محيط كلية التربية تمّ خلاله الإتفاق على نقاط وضعناها بشكل مطالب يتم العمل على تحقيقها لاحقاً.

وبعد ان لمس الطلاب تصلباً من قبل الحكومة لتلبية اي من المطالب، كان لا بد من ان يلجأوا الى وسائل ضغط كالإضراب والتظاهر. ويجب ان لا ننسى ان هذه التحركات تلت ما كان قد حدث في باريس لبضع سنوات خلت وأسفر فيما بعد عن استقالة الجنرال “ديغول” من الرئاسة!

في تلك السنة كان الرئيس صائب سلام يتولى وزارة الداخلية بالإضافة الى منصبه كرئيس للوزارة. وإذ كان يغضُّ النظر عن الإضرابات في داخل الحرم الجامعي او في المدارس الثانوية إلا انه كان يمسك الشارع بقبضةٍ من حديد! فكانت كل محاولة تظاهر تبوء بالفشل لان قوى الأمن كانت تنقضُّ بسرعة البرق وتفرّق المتظاهرين. وكان شرط السلطة انها لن تسمح بأي مظاهرة لم تكن قد حصلت على إذن مسبق من قبل السلطات المختصّة!

وبقي الوضع الطلابي يراوح مكانه من إضرابات طلابية ومطالب لا تجد لها أُذُناً صاغية الى ان جاءنا طلب من القيّمين على التنظيم الطلابي بالدعوة الى مظاهرة تم “الترخيص” لها وذلك في اليوم التالي للإعلان ودعوا الجميع للاشتراك بها بكل طاقاتهم.

دعوتُ طلاب الكلية الى جمعية عمومية فاتخذنا قراراً بالإضراب والإشتراك بكثافة في المظاهرة التي كانت معدة للإنطلاق من محيط الاونسكو.

في اليوم التالي قصدت المكان بسيارتي، وكانت من نوع ڤولس ڤاكن، خنفسائية الشكل، لونها أزرق سماوي وكان يظهر عليها بضع سنوات من الخدمة. أوقفتها الى جانب احد الأرصفة القريبة وتوجهت سيرًا على الأقدام الى قاعة الاجتماع المعدة لرؤساء الكليّات والثانويّات. وما ان اجتمعنا الى ان تم إبلاغنا ان المظاهرة لم تكن مرخَّصة قط وان الخبر عارٍ عن الصحة وإنما تمّ نشره لاستقطاب اكبر عدد من المشاركين!

احسست ببعضٍ من الإحباط نظراً لأني أنا كنت قد أكّدتُ لكثيرين من الطلاب الحضور أن المظاهرة “مرخَّص” بها، فلذا يجب حضورهم ولم أكن اريد بالتالي ان أعطي ايّ إنطباع بأني خدعتهم كما لا اريد أن أحمل ذنب أي شائبة قد تصيب أياً منهم فيما لو حصل ما لا تُحمد عُقباه!

خرجت بعد الاجتماع الى الباحة لمقابلة ربعي وكان من المفترض ان يرفعوا لافتات تحمل اسم كليّة الهندسة وكانت مفاجأتي عظيمة إذ لم أَجِد من أصل نحو ٥٠٠ تلميذ هندسة الا ما قد لا يزيد كثيراً عن عدد أصابع اليد الواحدة! وكانت القلّة التي حضرت تتبع تيارات يسارية متطرفة فيما فضّل الآخرون اعتبار النهار نهار عطلة مدرسيّة يقصدون فيه منتجعاً كفاريا أو اي مكان آخر لتمضية الوقت. وما زاد الطين بلة أني التقيت احد معارفي والذي كان يعمل بالمخابرات إذ بادرني: ماذا تفعل هنا؟ هذا ليس مكانك! معلوماتي ان المظاهرة لن تنتهي على خير!

بدأنا بالإصطفاف للإنطلاق فكان بشكل خطوط متوازية تأخذ عرض الطريق وكان كل صف يحوي نحواً من عشرين طالب. وما ان أخذت لنفسي مكاناً في الصف الثاني من الطليعة حتى انتفض احد المنظمين وقال لي: “انت رئيس، تمشي في الصف الأول.” وأخذني بيدي ليضعني في وسط الصف الأول! وبدأت اسأل نفسي هل يعقل ان امشي في مظاهرة قد آخذ فيها تعنيفاً بالضرب بينما من أمثِّلهم يشمّون الهواء ويتنزهون؟

انطلقنا نحو دوّار الكولا والذي كان في محيط الجامعة العربية وكان الطلاب يهتفون شعارات بشكل منظم ليزيدوا من حماس الحشود المشاركة. وكنت انظر الى الخلف لأرى ولو شعاراً واحداً مرفوعاً يمثّل كليّتي او على الأقل أحداً من اليساريين القلائل الذين شاركوا الا أن عينيَّ كانتا تزوغان دون التوصل الى رؤية ما ابحث عنه!

انعطفت المسيرة عند الدوار باتجاه طلعة برج ابي حيدر الذي كان يؤدي الى وسط المدينة. وكان حماس الطلاب يزيد والصراخ يعلو بشكل منتظم وكأن الشعارات ما كانت الا مقاطع من اناشيد وطنية! وضاقت الصفوف الأمامية بتلاصق اكتاف الماشين فانتهزتها فرصة للانزلاق الى الصف الثاني وما مرّت لحظات الا ليُعاد وضعي في وسط الصف الاول!

ما ان اقتربنا من التقاطع مع كورنيش المزرعة حتى بدأت ألمح عن بعد الإعدادات الشبه قتالية التي كانت تنتظرنا. فعلى الزوايا الأربع كانت فرق أشبه بالقوات النظاميّة بكامل عدَّتها من خوّزات حديدية، الى دروع خاصة، الى هراوات الى بنادق حربية والكل ينتظر وصول المظاهرة للإنقضاض عليها!

بدأت أفكّر بالشبان الذين يمشون ورائي ولا يعلمون ما ينتظرهم مصدقين ان التظاهرة قد حصلت على ترخيص مسبق! فتمتمت شفتاي: الله يمررها بسلام!

ما ان دخلنا التقاطع حتى كنت ارى عن قرب أفراد القوى الأمنية بنظراتهم الثاقبة واحناكهم المطبقة على أسنان تكزكز وشفاههم التي تتحرّك نحو الامام ثم تعود الى الوراء وأجسامهم التي تموج وهي تراوح مكانها وكأنها ملجمة وجاهزة للإنقضاض على فريستها!

وما هي الا لحظات حتى علا صوت الرصاص وانقضّت القوات على المتظاهرين ودوى الصراخ وأصبح التقاطع مسرحاً لمعركة ولعمليات كرٍّ وفر. عندئذ لم يكن لي خيار سوى تشميع الخيط والهروب من حيث اتيت! واذ كان صوت الرصاص لا يهدأ كان كعبا رجليّ يطالان ظهري وانا اركض نحو السيارة…

علمت صباح اليوم التالي من الصحيفة ان نحواً من مئة طالب تم ايقافهم بينما أصيب شاب من كليّة الهندسة في الجامعة اليسوعية اسمه بشير أُبَري برصاصة في فخذه!

تأخرت بعض الوقت للوصول الى الكليّة وكانت تقع على تلّة مار روكز فوق الدكوانة لأُفاجأ بأن الطلاب يعقدون إضراباً ويطالبون بالإفراج عني ظَنّا منهم أني كنت في عداد الموقوفين!

قياسي

النحلة اللبنانية-الشرق أوسطية…وانا – رقم ٢

img_4648

لم يكن اللسع الذي ألمّ بي كافياً ليُثني من عزيمتي! وذلك على الرغم مما ردّده على مسمعي الكثير من أقاربي وأخص بالذكر عمي حليم (رحمه الله) الذي قال: “هالشغلة مش إلك! إلك دروسك وبس”.

بدأت بإتخاذ كل الإحتياطات اللازمة لوقاية جسدي من لسعات الحشرة الجميلة والمؤذية. وللذين لا يعلمون الكثير عنها فإن مهمة العقص تنتهي بالموت المؤكد للنحلة بمجرد ان تغرس لاسعها في الكائن الذي تريد الإنتقام منه. فاللاسع له أسنان تسمح له الدخول ولا تسمح له الخروج من الجسم الذي يدخله. والنحلة أنثى غير كاملة بحيث انها لا تستطيع وضع البيض كما لا تستطيع المجامعة مع ذكور النحل. اما الكائنة الوحيدة التي بمقدورها المجامعة ووضع البيض فهي الملكة إذ إنها الأنثى الوحيدة الكاملة في قفيرها ولا يرضيها أن تتعايش مع أية ملكة أُخرى. إذن، النحلة وجدت لتعمل فقط وتفدي بحياتها الوحدة التي تتبع لها. اما الملكة، فتداوم في دارها ولا تخرج الا لمجامعة ذكرٍ واحد بين الجموع التي تلحقها. أما الظافر منهم فيموت وأما بقية الذكور فيطردون بعد ذلك من القفير! وصدق المثل القائل: “مثل ذكر النحل”

بعد ذلك، كنت لا أوفر جهداً في ارتداء ما يلزم للوقاية. ورغم حرصي الشديد على ذلك ، لم أسلم دائماً من العقص. كان القناع الخاص بتربية النحل يركب من أعلاه على قبعة جامدة لونها بيج لبُّها من الفلّين. وكان يستعمل مثيلاتها المزارعون آنذاك للوقاية من حرارة الشمس. وكان لها ثقبان، واحد عن اليمين وآخر عن اليسار يسمحان للهواء بالتسرب من ناحية الى أخرى بشكل يخفف وطأة الحرارة داخل القبعة. وكان كل ثقب مزنّراً بإطار نحاسي يحفظ القماش المغلّف من التفتت. وكان صغر الثقب يسمح بمرور الهواء دون ان يسمح بدخول النحل. إلاّ أني فوجئت أحياناً بتوصّل بعض النحلات النحيفات من الدخول فلُسعت عدة مرات كان ألعنها مرة في الشفَّة السفلى فأضحت وكأنها حُقنت بجرعة عالية من السيليكون، وثانية في جفن العين التي أقفلت بشكل بيضوي ولم أتمكن من فتحها إلا بعد ثلاثة أيام والاخيرة بالأذن مما حوًّلها الى ما يشبه بوق الفونوغراف القديم.

وحيث ان براعم زهر شجر الليمون تتفتّح على الساحل في أوائل آذار بينما يزهر الوزّال في حزيران في أعالي الجبال، كان من المستحسن نقل القفران الى موقعٍ صيفي بعد أفول الربيع في منطقتنا. وبعد تجربة صيف في مزرعة كفرذبيان قررت ان اصيّف النحل في بعذران الشوف بعد اقتراح صديق للعائلة اسمه عادل باز كان يعمل لدى عائلة جنبلاط بصفة خولي في منطقة سبلين. وكان من المتداول به في زمن سبقني ان تلك العائلة كانت تملك أراضياً من مرمى الثلج الى فقش الموج! اما عادل باز فكان من أطيب ما عرفت بين الناس وله دماثة خلق نادرة الوجود. كان يقود دراجة ناريّة في تنقلاته وكان يتميّز بمهارة لا توصف بقدراته المهنية التي كان يمارسها في أوقات فراغه ببناء أشياء غاية في التعقيد.

استقللت السيارة مع والدي لاستطلاع المكان وكان عادل ينتظرنا في منزل عائلته في بعذران. بعد ان قطعنا مسافة لا بأس بها مرورا بقرى ومدن اقليم الخروب وصلنا الى الشوف الأعلى. فمررنا عبر المختارة وعين مرشد وما ان وصلنا الى عماطور حتى انحرفنا الى اليسار فأخذنا الطريق المؤدية الى بعذران إلاّ انها لم تكن كأي طريق! كان على السيارة عملياً ان تتسلّق جرفاً كان أشبه بجدار تلامس قمته الغيوم وذلك عبر منعطفات حادة تعكس اتجاه السيارة بعد كلِّ كوع وكان صرير الإطارات يدوي تاركاً رائحة مطاط محروق تكاد تسبقنا. وكان والدي يزمّر على كل منعطف خوفاً من ألاّ يتنبَّه له النازل من فوق! وكنت طوال تلك المسافة متمسكاً بباب السيارة في زمن لم تكن أحزمة الأمان متوافرة فيه! وكان المنظر كلما صعدنا خلاباً ومخيفاً في آنٍ معاً وبالأخص لعدم توفّر أية حواجز تردع السيارة من التدحرج الى القاع المميت!

وصلنا بعد ذلك الى هضبة جميلة جعلتنا ننسى مشقّة الطريق. وبعد زيارة آل باز، تفقّدنا المكان الذي وُضع تحت تصرُّفنا للإقامة الصيفية للقفران، ثمّ أخذنا طريق العودة…

مساء الْيَوْمَ الذي انتقيناه لنقل النحل الى المصيف، أقفلت باب القفران وكان لدي نحو خمسين منها. وكان يساعدني عاملان من موظفي المزرعة: وفيق وسليم. وكان كل عامل محصّناً بكل ما يلزم للوقاية. وصل بعد ذلك سائق الشاحنة الصغيرة وكانت من نوع بيجو ٤٠٤ رمادية اللون. أوقفها في مكان قريب من القفران وذهب ليجلس معي بانتظار انتهاء عملية التحميل.

كان السائق من بلدة الجيّة ويدعى الياس. كان في العقد الثالث من العمر، مربوع القامة، ممتلئ الجسد. كان يلبس سروالاً من الجينز وقميصاً ذَا أكمام قصيرة عليه مربعات كبيرة مخطّطة بالازرق وله أزرار من الامام أغفل إقفال أعلاها فبدا شعر جسمه الكثيف الأسود فوق قبّته حيث يمتد حتى رقبته الى ان يقف بشكل طوق حدّه ما حلق من ذقنه التي بقيت خضراء رغم تنعيمه لها. اما ذراعاه فكانتا مكسيّتين بنفس الغزارة حتى أصابع يديه.

ما ان انتهينا من التحميل حتى دخلنا مقصورة الشاحنة لننطلق فوجدنا ان إلياس كان قد نسي أن يغلق النافذة عندما أوقفها! وفِي كثير من الأحيان كنّا نجد ان تلك القفران الخشبية قد يحوي بعضها شرخاً نظراً لمكوثها الدائم تحت أشعة الشمس. لذا كان من الممكن ان تكون بعض النحلات قد تسربت الى الداخل عبر النافذة المفتوحة!

جلست على يمين السائق بينما جلس على يميني كل من وفيق وسليم. وانطلقنا! كانت الطريق مستقيمة في اول كيلومترين الى ان وصلنا الى منعطفات منطقة سبلين وكنا قد بدأنا تنفس الصعداء بأن كل شيء تم على ما يرام… وإذ بالنحلات التي تسربت الى داخل المقصورة قد فاعت فجأة ودوّى طنينها بشكل غطّى صوت محرك الشاحنة وأخذت تطير بشكل جنوني رغم الظلمة لتلدغ أياً من كان في الداخل. فأخذنا نضرب يميناً وشمالاً بايدينا او بالأكف التي كانت معنا لإبعادها وإذ هي تبحث عن اي جسد بالظلمة مُقتادة برائحة أجسامنا! وإذ كان سائقنا قد تعطّر قبل مجيئه اتّجه الكثير منها نحوه وأخذ النحل يغزّ في شعر صدره ويديه للوصول الى “الهبرة”. عندذاك طار صواب صاحبنا وبدأ بالسباب وأفلت مقود الشاحنة غير عابئ بما قد يحصل. اتجهت الشاحنة نحو الهوة فرأيت الموت في عينيّ وكنت اجهل قيادة السيارات فانتفضت وأمسكت المقود من على جانب الياس وأخذت أصارع ذاك المقود يميناً ويساراً الى ان انتهينا من منعطفات سبلين ووصلنا الى كترمايا. عندئذٍ هدأ الجو ولا ادري ما حصل للنحلات الفائعات! هل ماتت كلها أم هدأ طبعها؟

أما نصيبنا من العقص فقد كان أقل بكثير من الرعب الذي انتابنا! المهم اننا أكملنا مشوارنا وأوصلنا النحل الى مقره الصيفي. وكانت المرة الاخيرة التي لجأنا فيها الى خدمات الياس!

قياسي

حفلة عرس في داريا

img_1817

في أواخر صيف سنة ١٩٧٢ دُعِي والدي الى حفل عرس في داريا الشوف وهي قرية تتواجد على بعد كيلومترات من بلدة شحيم في أعالي اقليم الخروب. وكان والد العريس “أبو عنتر” قد زارنا وأصرّ على حضور كلٍ من والديّ لمراسيم الحفل.

وبما أن وعكةً صحية كانت قد ألمّت بوالدي ومنعته من مغادرة الفراش طلب مني أن أذهب الى المدينة القريبة لاستحضار سلّة زهور تليق بالمناسبة وانطلق بعد ذلك الى داريا لتمثيله.

استقللت في الصباح سيارة والدي واتجهت نحو صيدا. كانت من نوع أودي ١٠٠ ل.س. سوداء اللون تزين هيكلها تقليمات كرومية بينما كان داخل المقصورة يحوي مقاعد جلديّة ذات لون احمر ساطع. أما تابلوه القيادة الخشبي مع ساعاته المستديرة فكان يعطي رونقاً خاصاً أشبه بما نراه في السيارات ذات الطابع الرياضي.

وصلت الى بائع الزهور وانتظرت زهاء نصف ساعة حتى تم إعداد الطلبية. كانت سلّة كبيرة مستطيلة مملوءة بزنبق مار يوسف اضطررت ان افتح كلي البابين الخلفيين لإدخالها فغطّت كامل المقعد من النافذة الى النافذة بينما كان أعلى الزنابق يلامس السقف ويحجب عن السائق الرؤية عبر النافذة الخلفية.

انطلقت نحو داريا وكنت أسابق المنعطفات متلذذاً برؤية أعناق الزنابق عبر المرآة وهي تلوح يميناً ويساراً حسب حركة السيارة. وبعد ان قطعت وسط شحيم ببضع كيلومترات وصلت الى مفرق على اليسار يؤدّي الى القرية.

وما ان تراءت لي البلدة حتى توقفت لحظات لألقي نظرة عليها. كانت مبنية على هضبة من منازل خرسانية متلاصقة. أسفل تلك المنازل مسكون وكامل بينما أعلاها في قيد الإنشاء. اما الأزقة فكانت ضيقة وملتوية. كان هذا حال معظم القرى القديمة التي كانت منازلها مبنيّة بهذا الشكل طلباً للأمان. وداريا معروفة بالزيتون وزيت الزيتون. وكان يُروى عن تجارها انهم يبيعون أضعاف ما ينتجون من ذاك الزيت!

ما ان اقتربت من القرية حتى صادفت احد المارّين فسألته عن بيت “أبو عنتر”. فأجابني سائلاً: هل تسمع الموسيقى؟ الحق مصدرها فتصل اليه.

بعد ان وصلت رحّب بي أبو عنتر، وكان في العقد الخامس من العمر طويل القامة، عريض المنكبين، له وجه مستدير مائل للإحمرار ويزين وجهه شاربان معكوفان ألمّ بالإعتناء بهما ولا أشك انه لم يقصر في استعمال مكواة خاصة مع وضع بعض من شمع “التِزماتيل”. اما طربوشه الأحمر وبالطريقة التي كان يلبسه على رأسه، فكان يدل على وجهة سيره.

دخلنا المدخل ومن ثم انعكفنا نحو الدرج. أما الطابق الأرضي فكان مخصصاً لإحتفالات النساء فصعدنا الى السطح حيث كانت احتفالات الرجال. وكانت مجموعة عواميد خرسانية تعلو السطح جاهزة لاستقبال الطابق الثاني فيما بعد. وكان قماش من نوع الجنفيص قد افرد فوقها للوقاية من حرارة الشمس. اما الكراسي الخيزرانية فكانت قد وضعت على المحيط لإجلاس المحتفلين ولم يكن يتواجد اي حاجز او درابزين خلف ظهر الكراسي.

اصرّ ابو عنتر على إجلاسي عن يسار العريس حيث كنت أقف مع المحتفى به لأسلم على كل متوافد جديد، وكنت كلما عدت للجلوس أتفقد الارجل الخلفية للكرسي خوفاً من ان تقترب اكثر من شفة الهاوية! وعلى أنغام المِجوز والدربكة كان بعض الرجال يرقصون ويقفزون في وسط الساحة وكل منهم يشابه بحركاته تلك التي يقوم بها من امسك بيده احد اطراف الدبكة.

كنت في غاية السرور والانفراج الاّ انه، في لحظة لم أكن انتظرها، اخرج خمسة او ستة من المحتفين مسدسات من نوع ٩ملم (نوع ١٤) وأخذوا يفرغون حمولتها نحو السماء غير عابئين بالثقوب التي يحدثها رصاصهم في الغطاء الجنفيصي! بعد انتهاء الجولة تفقدت بُعدي عن الدرج وأخذت ألعَنُ في داخلي تلك العادة القديمة التي نمارسها في أفراحنا وفِي اتراحنا سواسية!

بعد ذلك هدأ الجو وعاد الرقص الى ما كان عليه على أنغام الموسيقى. وما ان مضى من الوقت نحو ثلث ساعة الى أن بدأت جولة ثانية من إطلاق العيارات النارية!

قبعت في الكرسي وقلت يجب ان أعوِّد نفسي على هكذا احتفالات. ما هي الا ساعات وينتهي كل شيء… واذ كنت أتفقد ما كان من حولي رأيت رجلاً يعتلي بيت الدرج لمنزل مجاور على مقربة قفزة من السطح الذي كنّا عليه. وكان يحمل بندقية حربية قد تكون من نوع “سيمينوف” نصف آليَّة مشطها يتسع لخمس رصاصات. فكان منه الا ان اسند دبشكها الى كتفه وأمسك بيده اليسرى القابض الخشبي وصوّب نحو السماء وضغط على الزناد فانطلقت اول رصاصة بشكل دوَّت لصوتها الأودية المجاورة! إلا ان الظرف الفارغ (الخرطوشة) فبقي عالقاً داخل الملقّم. فما كان من صاحبنا الا ان انزل فوّهة البندقية بحيت أصبحت مواجهة لأجسام الحضور وأخذ يتصارع يميناً وشمالاً مع الملقّم لإخراج الظرف العالق! أخذ الناس يصرخون ومنهم من انبطح على الارض غير الذين تراكضوا نحو الدرج والذي لم يكن بمقدوري الوصول اليه لبعدي عنه! تمكن اخونا من اخراج الظرف وأطلق عياراً نارياً ثانياً علق هو الآخر، ثم أطلق ثالثاً، ثمّ رابعٍاً، وبالنهاية خامساً وكلها علقت. وكدنا نتنفّس الصعداء الا ان صاحبنا وضع مشطاً جديداً وأطلق عياراً جديداً علِق هو الآخر فأخذ يعالج الملقم مجدداً موجهاً الفوّهة نحو المحتفلين الذين جن جنونهم! عندئذٍ انتفض احد القبضايات وطار صوابه من اصرار اخينا على المتابعة فسحب مسدسه وصرخ: سأقتلك يا اخو ال——-! وإذ كنت أتواجد على يمين “القبضاي” قفز احد الموجودين وأمسك بزند اليد التي كان يحمل في قبضتها مسدسه ليمنعه من إطلاق النار! عندئذٍ ارتعبت اكثر إذ كانت فوّهة المسدس تموج قبالة صدري بينما الهوة من ورائي ولا مجال للهرب. عشر ثوانٍ او أكثر مرت وكأنها دهر انتهت بفرار صاحب البندقية من على درَجِهِ.

ما ان هدأ الوضع حتى قمت وودعت المحتفلين معبّراً عن أطيب التمنيات للعروسين رغم إصرارالجميع على بقائي للغذاء!

 

قياسي

لا، لن أسامح

لا، لن أسامح الذين اقتلعوا جذوري وطمروا تاريخي وبدّدوا آمالي بمستقبلي وجعلوني اقصد اقصى أقاصي الأرض بحثاً عنimg_1806تراب ليس من ترابي ليغذّي عروقي قبل ان تجف وتموت وتأخذ حياتي معها!

قضيت السنين أبحث عن نفسي في بلاد أظلُّ فيها غريباً مهما طال مكوثي فيها وأظل في أرجائها دون ماضٍ كالطفل اللقيط الذي وجد على قارعة الطريق.

لا، لن أسامح تلك الفئات التي حلّلت المحرّمات لنفسها بينما حرّمت المحلّلات لغيرها فعاثت فساداً في ارضٍ طاهرة ونهبت وسَبَتْ واستولت على املاكِ غيرها وزهقت ارواحاً سدىً معللةً ذلك بانه أمر مشروع من عند رَبِّهَا!

لا، لا أصدِّق ان المولى قد أوكل أياً من عبيده بإحقاق حقِّه، فهو القادرعلى كل شيء وحده ولا يحتاج لنجدة أيٍّ من بني البشر لنصرته ومن ظنّ انه أولِيَ على غيره فليبهرنا بإطالة حياته ولو ليوم واحد عندما تأتي ساعته!

لا، لن أغفر لتلك الإقطاعيات، القديمة منها والمستحدثة، التي أثْرت من مال الذين لا حول لهم وجعلت من أركانها أسياداً يتوارثون السلطة وأغفلت عمّن جمح من عصاباتها في هدر دم من لم يكن من دينها!

لا، لن أسامح رجال الدين الذين أعطوا غطاءً شرعياً لكل ما جرى فكرّسوا الباطل وتناسوا تعاليم دينهم فتغافلوا عن دحض الشر وتوّجوا رجال السوء وحللوا لهم ما لا يحلّل.

قياسي

ماذا حدث لمايك الامريكي عندما عاد للإستقرار في قريته؟

img_1779

في بداية القرن الماضي كانت قد تفشّت المجاعة في جبل لبنان بسبب قساوة السلطنة العثمانية. كان الجبل محاصراً من كلّ النواحي وكان من الصعوبة بمكان ادخال اي من المواد الغذائيّة لأي من تلك المناطق. واذكر عمّي شاهين كيف كان يروي لنا مغامراته عندما كان مازال صبيّاً إذ كان يقطع المسافات ليلاً وقبل بزوغ الفجر لتهريب الخبز من صيدا الى الرميلة لتقتات العائلة!

في ذلك الزمن هجّ من البلاد ّ كل من تمكّن طلباً للقمة العيش. كثيرون قصدوا العالم الجديد في الأميركيتين وكان القليل منهم ممن تعلّم القراءة والكتابة في اللغة الأم ونادراً منهم من عرف التفوّه بأية كلمةٍ أجنبيّة! لم يكن بمقدور العائلات ان تهاجر بمجملها لذا كان يتم اختيار احد أفرادها فتجمع له العائلة قيمة “الناولون ” وهو تكاليف السفرة ويركب البحر في رحلة تستغرق أشهراً للإرساء بعدها في مرفأ مدينة تبدأ فيها حياته الجديدة. وكانت العائلة تطمئن ان من سافر من بينها سيسلم من الإضطهاد السائد بينما ينقص لديها فم من الواجب إطعامه!

بعد الوصول كان يفتش الواصل الجديد عمن يحسن الكتابة بالعربية لإرسال رسالة الى أهله تخبرهم عمّا ألمّ به. وكانت رحلة الرسالة الى البلد الأم تستغرق مدة طويلة وما ان تصل حتى ان يلجأ مستلمها الى من يقرأها له…

من بين من سافر من بلدتنا، كان “مخايل”. وقد حطّ به الرحال في مدينة “بوسطن” الأمريكية وكان يانعاً في عمره حيث تمّ تغيير اسمه الى “مايك” لسهولة اللفظ والمناداة باللغة الإنكليزية وهو الاسم الذي لازمه بعد ذلك.

لم يتزوج “مايك” في بلاد الإغتراب وإن سنحت له الظروف ان يعاشر بعضاً من نسائها. فبعد ان تعب وشقي في تلك البلاد ولم يتمكن من ان يجمع الا ثروة متواضعة، قرر العودة الى الضيعة لتمضية ما تبقى من حياته بين ربعه واهله.

كان في العقد السادس من العمر عندما عرفته. كان معتدل القامة، مربوع الجسد، يمشي مرفوع الرأس وهو يحافظ خلال تنقّله على استقامة ظهره. كان يحمل عصاً خشبيةً لا للتعكز عليه بل كان يحمله بيده اليمنى بشكل يمكّنه من استعماله عند أية زلّة قدم. كان يرتدي ثياباً جاء بها من بلاد الإغتراب غير عابئ بأية موضة! فكان سرواله الكاكي يحافظ على قطر واحد من أعلاه حتى أسفله بينما قميصه المنقوش بالمربّعات لا يخفي طرازه. وما ميّزه اكثر من أي شيئ آخر، كان ارتداءه لقبّعة بيج فاتح مزنّرة بشريط بنّي، موديل الستينات أمريكية ١٠٠٪‏ وكان يضع على عينيه نظارات هيكلها بنّي على شاكلة ما كان يرتديه الرئيس الامريكي الأسبق “ليندون جونسون”.

كنت اعرفه عن بعد وهو يمشي على طريق جدرا. وكنت أراه من وقت الى آخر واقفاً على الطريق العام بإنتظار مرور بوسطة “الصاوي زنتوت”. كان يحب زيارة الأقارب برفقة أحد من ذويه. وكان كثير الإصغاء، قليل الكلام، في غاية التهذيب، وان تكلم كان ذلك بلكنته الامريكية مع التلفّظ كثيراً بكلمات من معجمه الامريكي: Yes, Alright, Thank you, Nice…

في بداية الأحداث سنة ١٩٧٥ وبعد حادثة عين الرمانة، اشتعل القتال في وسط بيروت وبدأت عمليات قتال وقنص من الميليشيات المتواجدة في المدينة. وكانت المعارك ما ان تتوقف الى حين الى ان تبدأ بشكل أعنف. وكان الكثيرمن الأبرياء يموتون بينما كانوا يتنقلون من وإلى مركز عملهم. وكانت لا تزال الصحف مثابرة على الصدور من “النهار” الى “الأنوار” الى “السفير” الى غيرها… وإذ بِنَا نفاجأ بخبر استرعى انتباه الجميع:

“وحيث ان م. ق. كان يمارس الجنس مع احدى العاملات في المجال، وذلك في السوق العمومي في منطقة الصيفي، وإذ به يقضي نحبه بعد ان اصابته نوبة قلبيّة. ذعرت المرأة وخرجت عارية الى الشرفة وهي تصرخ وتولول. ثمّ تمّ الإتصال بالشرطة التي حضرت و أكملت التحقيق وأصدرت محضراً بذلك”

وإذ تبيّن ان المتوفّي ما كان إلا “مايك” انتشر الخبر بسرعة البرق وأصبح على كل شفة ولسان رغم قلة وسائل الإتصال آنذاك من تلفون وغيره.

وصل الجثمان الى القرية واراد أهل الفقيد القيام بالواجب على أكمل وجه نظراً للمكانة التى كان الفقيد يحتلها في قلوبهم. نعوا كل الاقارب و الجيران والاصدقاء ودعوا مطران المنطقة لترؤس المراسم.

حضرت الجموع الى الكنيسة وحضر المطران الذي اختلى بأقرب الناس للفقيد لسؤالهم عن ماضي الفقيد ليحضر عظته. أخيراً سأل من كان: وكيف مات المرحوم ؟ فأجيب:”في الأسواق”

بعد قراءة الإنجيل وقف المطران والقى عظته عن مزايا الفقيد وتاريخه ثم استطرد قائلاً: “…مات شهيداً…”
وأخذ الجموع يتقهقهون في أحراجهم وبالأخص الرجال الذين يتمنَّوْن هكذا ميتة لأنفسهم عندما تأتي الساعة!…

قياسي

النحلة اللبنانيّة مقابل النحلة الأوروبيّة، ما هو الفارق؟

النحلة اللبنانية

النحلة اللبنانية

النحلة الأوروبية

النحلة الأوروبية

خلافاً لما كان يفعله اترابي في ذلك الزمن من لعب وجعدنة لتمضية أوقات فراغهم قرّرت وانا في الخامسة عشرة من عمري ان ابدأ بعمل ما يدرّ علي مدخولاً دون ان يلهيني عن مواظبة دراستي. وبما اننا كنّا نمضي كل عطلة نهاية الأسبوع كما فصل الصيف بأكمله في مزرعةً كان يملكها والداي في قرية وادي الزينة والتي تقع على طريق صيدا بين بلدتي الجيّة والرميلة، فكّرت بأن أقوم بعمل زراعي. وكانت المزرعة متواجدة على هضبة تطلّ على البحر المتوسط وعلى نحو مئتي متر من الشاطئ، وكنا لا ننام إلاّ على دغدغة صدى أمواج البحر لآذاننا. وكانت تحتوي على مزارع للدجاج البيّاض، مزرعة للبقر الحلوب كما ان باقي الاراضي كانت تستثمر لزراعة الخضار على أنواعه كما أشجار الفواكه من ليمون وأفندي وموز وجوافة وغيرها. وكانت طريق الدخول الى المزرعة خرسانية مغطّاة بفيء العرائش المحمولة على هياكل مصنوعة من مواسير معدنية مدهونة باللون الأخضر ولها قمة على شكل قوس تسمح للشاحنات بالمرور دون ان تلامس عناقيد العنب التي لوَّنها نور الشمس فأضحت لمن يمر تحتها وكأنها زينة إنارة لحفلة عرس.

وكانت طريق مدخل البيت الذي كنّا نسكنه تتفرع من طريق المزرعة وتنحدر تحت العرائش الى ان تصل الى ساحة خرسانية مكشوفة يستعملها الضيوف مرآباً لسياراتهم. وكانت ثلاث درجات تفصل الساحة عن الحديقة المغطاة بالعشب الأخضر الذي تكلله ممرات ومقاطع مزروعة بأنواع مختلفة من الورود والزهور وأشجار صنوبر ونخل وغيرها. وحيث ان شحٌة المياه كانت لا تسمح للكثيرين بزراعة حدائق حول منازلهم كان الكثير من الأقرباء والاصدقاء يعرّجون على البيت لشرب فنجان قهوة وقضاء بعض الوقت.

كانت وزارة الزراعة اللبنانية تشجع نمو انواع من الاستثمار الزراعي وكانت تصدر نشرات تعرّف كل مهتم بامور تلك الزراعة واذكر منها تربية الفرِّي والنحل. بعد قراءة ما توفّر، وكانت المعلومات شحيحة في ذلك الوقت، قرّرت ان أغوص في تربية النحل، علّ قطاف العسل يفي بكل جهد وعمل!

نصحني أحد الخبراء في الوزارة، قبل ان أباشر في مشروعي، ان أقرأ كتاباً بالفرنسية عن النحل اسمه: Le rucher de rapport
فذهبت الى “مكتبة أنطوان” في “باب ادريس” وطلبت نسخة لم تصلني إلا بعد قرابة الشهرين! قرأت الكتاب بشغف من الدفّة الى الدفّة، ولم اختصر قراءة المقاطع التي تشرح فيزيونومية الحشرة!

بعد ان انتهيت من مطالعتي هممت بشراء العدّة اللازمة من عتلة، الى قناع ، الى منفخ الدخان، الى كفّي الحماية، الى ما هنالك… وكان علي ان اشتري قفران نحل لأبدأ بها مشروعي. وبعد السؤال تبين ان قريباً لي من بلدة جون، زوج ابنة عمي منى، واسمه نبيه سعد (رحمه الله) كان لديه نحو ثلاثين من تلك القفران يريد بيعها. إنما تلك القفران كانت من النوع البلدي المصنوع من القصب والطين وذات الشكل الأسطواني. تمت الصفقة وقمنا بنقل القفران بعد تغليفها ليلاً بأكياس جنفيص (طبعاً استعنت بأناس من ذوي الخبرة).

المرحلة الثانية كانت بنقل النحل الى قفران حديثة خشبية. وبعد السؤال تبين ان المنشرة الوحيدة المتخصصة بصناعة تلك القفران كانت متواجدة في منطقة الصيفي المحاذية لساحة البرج في وسط بيروت وبالأخص في وسط السوق العمومي (أي للذي لم يفهم “سوق العاهرات” والذي كان مشروعاً تحت نظر ومراقبة الدولة). وكنت اشتري القفران على دفعات، كل مرة ستة منها وهو اكثر ما كان بالإمكان تحميله بسيارات الأجرة. إنما كنت أخشى فى كل مرة ان يصدفني أحد الأقارب او الاصحاب ويسألني: “ماذا تفعل هنا؟” هل كان ليصدّق أني أشتري خشباً؟

بعد ان جمعت القفران ودهتنها باللون الأبيض، استعنت بأحد الإختصاصيين الذي قام بنقل وحدات النحل الى القفران الحديثة. بعد ذلك جاء دوري لإكمال المهمة…

في بعد ظهر احد الأيام، في نهار زرقة سمائه لا أنساها ، واذ كان بعض الزوّار يشتفّون القهوة في الحديقة مع والديّ، ارتأيت ان ابدأ عملي وأكشف على أحد القفران والذي كان موقعه على مقربة من المنزل. وكنت قرأت في الكتاب الفرنسي انه لا داعي للبس القناع، أو الكفوف الواقية. فما ان تنفخ دخاناً في مدخل القفير إِلَّا وتجد النحل يغُبُّ العسل للإنتقال والسفرخوفاً من ان يكون قد اندلع حريق في الوحدة. اما وهنّ ثكلى في العسل فلا يستطعنّ اغراز لاسِعِهنَّ في احد!

كنت أرتدي قميصاً من الجوخ السميك وسروالاً من قطن لا بأس في سماكته وحذاءً من جلد مع جوارب قطنيّة. فقلت أني لن اطبّق كل ما جاء في الكتاب فوضعت القناع الخاص ولم ألبس الكفوف الخاصة. إلا ان ما قرأته كان يتعلّق بالنحلة الأوروبية وليس بالنحلة اللبنانية او الشرق أوسطية. فما ان نفخت الدخان ومن ثم هممت لفتح الغطاء الداخلي بواسطة العتلة وكان النحل قد الصقه بالشمع العسلي، صدر صوت طقّةٍ اذعرت جموع النحل بشكل لم أر مثله من قبل. فما هي إلاّ هنيهة حتى دوّى طنين الآلاف منها حائمة حولي وكل من غنم منها باي مساحة مهما صغرت من جسمي الا وغرس لسعته الإنتحارية فصرت لا ارى انملة من بشرة يديّ الا مغطاة بالجحافل المهاجمة! أقفلت القفير وهرعت صوب البيت والعقص مستمر بلا هوادة حتى عبر ثيابي وبالأخص على كتفيّ وكاحليّ. حِينَئِذٍ، شمّع الضيوف الخيط وهرولوا الى سياراتهم بينما هرب والداي نحو الداخل واقفلا كل النوافذ. هرب الجميع ما عدا ابو محمد رمضان وهو صياد بحري قديم وقد تولى الإشراف على المزرعة حتى وفاته. فما رأيته إلا وقد هب لنجدتي فسلخ بيديه غصن نخيل وأخذ يضرب جموع النحل يميناً ويساراً لإبعادها عني. الا انه نال نصيبه مما يزيد على الثلاثين عقصة. اما أنا فنلت حصّة الأسد مما فاق المئة لسعة!

تورمت يداي فأصبحت كل يد وكأنها رغيف خبز له أصابع بينما انتفخ كتفاي فاضحيت كلاعب الفوتبول الامريكي الذي يرتدي الحمايات اللازمة. اما كل كاحل فكاد يلامس الآخر عندما أمشي!

بالنتيجة، كان الدرس الذي تعلمته مهماً: ليس كل ما تتعلمه عن النحلة الأوروبية يمكنك أن تنتظره من النحلة اللبنانية الشرق أوسطية. النحلة اللبنانية لسعتها اخطر.

قياسي