الإنجاب بين العُقم وتجنّب الحمل

IMG_3328

“وللناس فيما يعشقون مذاهب”

عندما يجمع الزواج بين شخصين نجد أنهما قد تحابّا على ما وجد كلّ منهما في مثيله من مؤهّلات تجذبه اليه وتجعله يربط مصيره به، فيسعيان معاً الى انشاء حياة تختلف عمّا سبق!

وإن كان ما يشدّ الآخر اليه قد يختلف عمّا يشعره هو تجاهه، إِلَّا ان لُحمة الزيجة تجعله يمضي مع شريكه في تحقيق الرؤية المستقبلية التي يتطلّع اليها وكلّه يقين ان النظرة متبادلة!

إِلَّا انه لكلٍّ سلّمُ اولويّاته فيما يتعلّق بتلك العلاقة وقد يختلف الترتيب بين الطرفين ويُفاجأ المتزوّج بأن شريكه يغايره في تسلسل جدول أهميّاته! واما الطبيعة فقد تلعب هي أيضاً دوراً مهماً في ذلك!

في الماضي كان الحصول على ذُرّية، الهدف الأوّل لدى المتزوجين. وقبل تقدم الطب كانت مسؤوليّة عدم الإنجاب تقع على المرأة وحدها.

أما في أيامنا هذه فنجد ان جدول الأهميات قد يتغيّر بين انسان وآخر وبالأخص بعد أن أُعطيت اللّذّة في ممارسة الجنس مكانة لم تُعرف من قبل وكثرت في نفس الوقت وسائل تجنّب الحمل وعمليات الإجهاض مما دفع بتأخير سني بداية الإنجاب الى أعمار اكبر بكثير من التي كان متعارف عليها.

اما الطلاق بسبب العقم فهذا ما كان يجري في السابق بينما نجده اليوم يستعمل كحجّة لتبرير الإقدام عليه. وفيما نجد أناساً يطلّقون بسبب العقم، نجد أزواجاً آخرين ينفصلون لان احدههما لا يريد ذُريّة!

اما فيما يختص بالتقدم العلمي فنجد ان الطب الحديث فتح ابواباً جديدة لمن يعاني من العقم، والكثير من العائلات تمكنت من الإنجاب بفضل ذاك التقدم! إنما المعضلة الكبيرة المتبقية هي الكلفة الباهظة لهكذا معالجة!

وإذا فشلت كل الطرق فلا غبار على من يتبنى طفلاً وكالقول الشائع: “الأم ليست من أنجبت، بل تلك التي ربّت.” وما ذنب الأطفال الذين حرمتهم الحياة من أهلهم لسبب أو لآخر؟ أليس أحرى بهم ان يعيشوا في كنف والدين حرما من الأولاد في الوقت الذي حرمتهم الحياة كأطفال ممن أنجبهم؟

قياسي

أزواج بين الخيانة والغفران

IMG_3305

الخيانة بين الزّوجين تختلف عن غيرها من انواع الخيانات كتلك التي تتعلّق بالدِّين او الوطن او التحزُّب السياسي اوغيرها…

وَإِنِّي وإذ أتحدَّث عن المرء بلغة الذكور إِلَّا ان الأمر قد يتطابق مع الإناث ايضاً في غالب الأحيان.

عندما يتزوّج الشاب من فتاة نجده يتوخّى منها من أجل حياته المستقبليّة ان تكون على نفس الصورة والإنطباع اللذين زرعهما عنها في خياله ويتمنى ايضاً ان تتمكّن من ان تغيّر بعض ما فيها من طِباع لا تتماشى مع مبادئه، كما ان تسعى لتُجيد ما ينقصها من مهارات تتطلّبها حياته معها. امّا فيما يختص بالشوائب التي لديه، فهو كلّه أمل بان يتغلَّب عليها مع الزمن!

أما الواقع الحياتي فيختلف عن الأمنيات وكما يردِّد المثل العاميّ: “حساب الحقل مش على حساب البيدر!” وبما ان “الطبع يغلب التطبّع ” لذا نجد ان إخفاء المشاعر الحقيقيّة لا يدوم طويلاً قبل ان يذوب الثلج وتسقط الأقنعة ويبدو كلٌّ على حقيقته!

قد يلعب المفهوم الحديث للزواج دوراً مهماً قي الإضرار بالحياة الزوجية! حتى ان القسَم الذي يردّده العروسان أثناء إقامة المراسيم والذي أصبح دليلاً أعلى في تقييم أي زواج، بات صعب المنال والتنفيذ ولا ينجح فيه الّا القلائل حتى ولو جهدوا!

في الماضي كان الرجل لا ينزوي مع زوجته الا قليلاً من الوقت وذلك لمتابعة سريعة لأمور البيت والعائلة وتناول الطعام وممارسة الجنس. اما بقية أوقاته فكان يمضيها في العمل او مع أصحابه في المقاهي او الحانات او غيرها من الأماكن. وكان توّاقاً للعودة الى منزله لملاقاة زوجته. وكانت المرأة الطليقة اللسان تعرف أكثر من غيرها كيف تستهوي زوجها وتحظى برضاه بينما التي كانت تستقبله بالشكوى وترداد سيئات نهارها فكانت تجعل رجلها يتمنى لو انه لم يعد الى منزله!

أما المفهوم الحديث للزواج الذي يوجب على الزوجين ان يمضيا كلّ وقت ممكن معاً فهذا لا يتطابق مع تكوين كلّ منهما. فلكلٍ شخصيته التي تختلف عن تلك التي لشريكه ولا يتجاذبان الّا في القليل من الأمور. فالتي تغوي الرجل بشكلها قد لا تستهويه بحديثها او ثقافتها او ذوقها. والتي يجد الرجل نفسه قد وقع في غرامها قد لا يجد معها اللذة الجنسيّة التي كان يتوخى الحصول عليها، بينما قد يجد اكثر منها لدى امرأة أقل جمالاً ولا تربطه بها اية علاقة غرامية!
لذا نجد ان مسألة الخيانة واردة على أكثر من نطاق. فالذي يخون زوجته بجسده قد لا يريد الطلاق منها وقد يكون ما زال تحت تأثير غرامها.

المهم ان الخيانة في أيامنا هذه على انواع وكل فرد على هواه وهو يبحث عمّا يفتقده في حياته. والصعوبة في الموضوع ان الإنسان الذي تمّت خيانته قد لا يستطيع ان يغيّر في نفسه وفِي تصرّفه ما يُعوّض عما أفقد منه شريكه.

اما إذا تعدّدت الخيانات فلا مجال للمسامحة وبالأخص اذا فُقدت بنية الاسرة. في تلك الحالة الطلاق يفرض نفسه لان المصالحة غير واردة وأسباب الانفصال اكثر من أسباب البقاء على وضع غير سليم.

وبالنهاية، وحتى بالنسبة للأولاد، نجد ان طلاقاً ناجحاً افضل من مئة زواج فاشل. اما فيما يردّده رجال الدين في عظاتهم فكثير منهم بعيد عن تطبيقه على نفسه!

قياسي

رابع تتمّة لشر البليّة ما يضحك

IMG_3297

وإذ كنت أذكر ما حدث معي في مستشفى رزق في بيروت عادت الى مخيّلتي وقائع أحدثُ منها حصلت معي في مونتريال ليلة خميس من أواخر شهر أيار (مايو) من سنة ٢٠١٥. قصدت ذاك المساء برفقة جاري وصديقي إيلي وزوجته كاتدرائية الروم الملكيّين على شارع “الأكادي”. أردنا الإشتراك بمراسم احتفالات “خميس الجسد الإلهي” والذي يقيمه “الزحلاويون” كل سنة تيمّناً بذكرى ما حدث سنة ١٨٢٥ حين دعا مطران الروم الكاثوليك أهل زحلة للسير وراء القربان المقدس في شوارعها وذلك لدرء مرض الطاعون الذي كان قد فتك بأهلها. وبعد أعجوبة الشفاء بذلك التاريخ واظب أهل زحلة في لبنان والمهجر على استذكار تلك الواقعة!

بعد الانتهاء من القدّاس اشتركت مع الجموع في الزيّاح عبر الشوارع المحيطة بالكنيسة وقد دام قرابة الساعة أو أكثر وكانت الجموع تتوقّف امام منازل تمّ تزيينها مسبقاً للمناسبة. وكنت أُعجب من السيدات اللواتي كنّ يمشينَ طوال المسافة وهنّ ينتعلنَ أحذية ذات كعوب عالية!

وما ان انتهينا من الإحتفال وكانت الساعة قد قاربت العاشرة مساءً حتى اقترح صديقي إيلي ان نقصد مطعم “دانز” القريب في مدينة “لاڤال” والذي يقدّم وجبات سريعة من شرائح اللحم المدخّن.

بعد تناول سندويشات وقطع من البطاطا المقلية ركبنا السيّارة الكحلية اللّون وكانت من نوع BMW واتجهنا نحو منزلينا. كان صديقي يحادثني من وراء المقود وكانت زوجته تجلس بجانبه وكنت في المقعد الخلفي وراءها. لم أشأ ربط حزام الأمان نظراً لقصر المسافة.

ما ان انعطفنا على بولڤار “غوان” حتى توقّفنا على إشارة ضوئيّة حمراء وراء سيارة متوقفة على مفرق “سامرست”. وما ان التفتَ إيلي نحوي ليكمل حديثه حتى قذفتنا والسيارة نحو الامام لطمة مدوية جاءت من الخلف مما جعل مقدّمة سيارتنا تلتطم بالتي كانت متوقفة أمامنا. وإذ كنت قد تعافيت منذ فترة قصيرة من كسور في بعض خرزات العمود الفقري كما كنت أتناول مسيّلاً للدم، شعرت بان مكروهاً ما قد حدث لي. لم أشأ ان اتحرّك خوفاً من ان يكون تأثير الحادث لم يتبلور بعد!

ما هي الا لحظات حتى وجدنا فتاة تدق بيدها على زجاج إيلي. انزل زجاج النافذة وهو يلوي رأسه نحو اليمين واليسار من تأثير الصدمة. كانت طويلة القامة نحيفة الجسم لها عينان كبيرتان ووجه مستطيل شعرها كستنائي مالس يطال كتفيها وتحمل بيدها اليمنى هاتفاً آلياً. قالت: “آسفة لما حدث. لم انتبه لكم”. شعرت انها كانت تكتب رسالة على هاتفها ولذا لم ترنا! ثم استطردتْ: “هل أطلب لكم الإسعاف؟”

كان إيلي منفعلاً من تأثير الحادث. توجه نحوها ببعض كلمات النهر وطلب منها ان تبتعد عنا. توجّهَتْ نحو سيارتها لتنتظر الشرطة. لم أجرؤ التطلع نحو الوراء لأعرف نوع سيارتها خوفا من ان أؤذي رقبتي!

في الوقت نفسه اتصل إيلي برقم الطوارئ. لما أجاب العامل المسؤول عن تلبية حاجات المتّصلين فوجئ إيلي برتل من الأسئلة لم يكن يتوقعها وكأنه يواجه محققاً عسكرياً. وإذ كنت اسمع تفاصيل المكالمة على مكبّر الصوت كان المتحدّث يتمادى بالأسئلة وكل ما كان يطلبه صديقي لم يزد عن سيارتَيّ اسعاف لتقلّانا الى المستشفى! اما زوجته فكانت بخير ولا تحتاج لأية عناية!

وصلت سيّارتا إسعاف مع عدد من سيّارات الإطفاء الضخمة وسيارات البوليس. اهتمّ ممرضان بإنزالي من وراء المقعد بينما تولّى آخران أمر إيلي. تمّ سحبي من المقعد بشكل لم أكن أتوقعه وبعناية فائقة. بعد ان مُدّدتُ على حمّالة متنقلة أخذ ممرّض الإسعاف يلفّ حول جسمي شريطاً أشبه “بالداكت تيب” وأصبحت أشبه بمومياء غير قادرة على الحراك. رُفعت الى منصّة العربة حيث أخذ الممرض عدداً من المقاسات بواسطة آليّاته. بعد ذلك سألني مجموعة من الأسئلة ثمّ وقف ينتظر الأوامر لمعرفة المستشفى الذي سيتم نقلنا اليه. جاء رفضٌ من “الساكري كور” لاستقبالنا لكثرة الحالات لديه. شكرت ربّي لأني لم أكن ارغب بمعاودة زيارة ذاك المستشفى.

بينما كنا ننتظر القرار نظرت بطرف عيني نحو الممرض لأني لم أكن قادرًا على تحريك رأسي من كثرة الأربطة التي كانت ملفوفة حولي. كان في منتصف الثلاثينات من العمر أشقر الشعر وسيم المظهر. سألته عن نوع السيّارة التي تسببت بصدمنا وكنت أشك انها من نوع BMW ايضاً. توجه نحب الباب ونظر نحو السيّارة ثم عاد ليقول لي: “أنا في القراءات ولست في السيارات!”

توجهنا نحو ” الجويش هوسبيتال” الذي وقع الاختيار عليه. بعد معاملات التسجيل تم إدخالي الى غرفة طوارئ. جاء بعدها طبيب وعاينني وطلب اجراء فحص عينات من الدم وإجراء صور الأشعة “والسكانر”. بعد ذلك أُدخلت الى غرفة الأشعة.

استقبلتني ممرضة في الثلاثينات من العمر ممتلئة الجسم سوداء البشرة شعرها قصير وأملس. وبينما كنت أعاني الأمرّين من عدم قدرتي على الحراك وقد بدأت مفاصل جسمي تؤلمني، بدأت الممرضة تفكّ بعض الأربطة وسحبت حزامي الجلدي وبدأت تفكّ بعض الأزرار الأمامية. ثم صرخت بإعجاب قائلةً :” ما هذه الألبسة الجميلة التي ترتديها وما هذا الحذاء الرائع الذي تحتذيه؟ أريد أن أشتري لصديقي مثلها!” لم اعرف بماذا أجيبها وانا في وضعٍ لا أحسد عليه!

تمّ الإفراج عني في الثانية والنصف من الصباح ودخلت غرفة الإنتظار في الطوارئ. كان عدد كبيرٌ من الناس ينتظرون دورهم. وإذ لم يكن قد تمّ بعد الإفراج عن صديقي، أخذت ألهو بهاتفي. واذ وجدت اني أخذت صورة لمراسم الزيّاح توخّى لي ان أرسلها لزوجتي التي كانت في دبي في زيارة ابنتي!

وهنا كانت المفاجأة عندما وَجَدتْ اني ما زلت صاحياً في هذا الوقت المتأخر. طلبتني بواسطة “سكايب” فأجبتها وانا ابتسم حتى لا ينشغل بالها. سألت: “أين انت؟” قلتُ: “انا في المستشفى” وهنا كانت المصيبة وهي ترى المرضى من حولي ينتظرون دورهم!

لم يكن من السهل إفهامها بما حدث إلا أني أردّد عندما أذكر تلك الواقعة: شرّ البليّة ما يضحك!

قياسي

عقد القران: هل هو بداية للسعادة أم نهاية لمرحلة سعيدة؟

IMG_3292

عقد القران: هل هو بداية للسعادة أم نهاية لمرحلة سعيدة؟

كل امرئٍ يتزوّج يمر بمرحلتين: فترة ما قبل الزواج وفترة ما بعد الزواج. وإن اختلفت النتائج باختلاف الازواج إِلَّا اني سأحاول ان اتطرّق لهذا الموضوع الشائك والذي لا يمكن لأحد ان يتكهّن بنتائجه.

مرحلة ما قبل الزواج
هذه المرحلة تختلف علاقتها بين مجتمع وآخر وقد تشمل فترة تعارف تنتهي بطلب الشاب يد الفتاة، منها او من ذويها، وتتكلّل بعد الموافقة بما يسمى بالخطبة وهي المرحلة التي يؤكّد فيها الخاطبان أنهما في طريقهما الى الزواج. ورغم الاختلاف الذي تكمن فيه هذه العلاقة بين تقاليد واُخرى فإن طرفي الارتباط قد يعيشان مواقف تشنّج بعلاقتهما تكاد تجعلهما يترددان في إكمال الطريق. ومن المصاعب التي تعتري هكذا علاقة محاولة التقارب بين افراد العائلتين وعادات وتقاليد كل عائلة والتوقعات التي ينتظرها كل فرد من الآخر وطريقة التعامل بين الخطيبين. إِلَّا انه في الإجمال نجد ان الخطيب والمخطوبة يعيشان فترة زمنيّة مليئة بالامل بحياة أفضل تجعل غيمة من السعادة تغمر جوّ كلٍّ منهما! وفِي المجتمع الحديث قد نجد مرحلة مساكنة بين الشاب والفتاة تجعلهما يظنّان ان النجاح سيكلّل حتماً زواجهما المرتقب.

مرحلة ما بعد الزواج
وهنا من الواجب التمييز بين ما كان يحدث في السابق وما يحدث في عالمنا الحديث!

o ما بعد الزواج في الماضي
في الماضي كان عالم الذكور مختلفاً عن عالم الإناث: بالمدراس، والألعاب الرياضية، وفي النشاطات الإجتماعية، وفي ميدان العمل وحتى في ممارسة الاديان. وكان الشاب متى تزوّج لا يرى من زوجته او من النساء خلال النهار الا القليل من الوقت اذ كان يقصد عمله في الصباح حيث لا يحتكّ الا بأفراد من جنسه فما ان يأوي في المساء الى منزله حتى يذهب للقاء أصحابه في المقاهي او الحانات ولا يعود الّا ليأوي الى فراشه وقد لا تتسنى له مجامعة زوجته الا لدقائق معدودة. لذا كان الاحتكاك لمدة طويلة معدوماً بين الزوجين ولا أسباب للمناكفة الا لفترات قليلة. ومن جانب آخر كان مجتمع النساء انثوياً بامتياز.

o ما بعد الزواج في عالم اليوم
اما في عالم اليوم فأصبحت المدارس مختلطة وأصبح ميدان العمل مختلطاً وتغيّرت مفاهيم الحياة. فبالوقت الذي اضحى فيه الرجل اكثر احتكاكاً بعالم النساء تكاثرت الفرص أمامه (وكذلك امام المرأة) للتمييز بين العلاقة التي وقع اختياره عليها وبين ما يتم عرضه عليه في عالم يظنّ ان أخضره اكثر اخضراراً عند غيره. وإذ انه بعد عصورٍ من الاحتكاك الضئيل بين الجنسين أضحى من الواجب ان يمسك بيدها ويصحبها للتسوق ويعزف عن تمضية الوقت مع أصدقائه مما ادخل الملل الى قلوب المتزوجين وأصبحوا يفتشون عن طريقة لقتل الرتابة التي يعيشون فيه. وهكذا كثرت حوادث الطلاق والكل يفتّش عن جديد يعيد اليه رغبة التلذذ في الحياة.

زِد على ذلك ان الزواج ليس نهاية مطاف بل بداية للسعي المستمر من اجل خلق اجواء من الحياة المتجددة. ومن لا يعمل للحفاظ على الشعلة تجده يفقد نورها بسرعة لم يكن يتوقعها! وما نجده عند الازواج من إهمال لمظهرهم ونظافتهم امام شريك حياتهم يؤثر كثيراً على فقدان الرغبة المتبادلة بين الرجل والمرأة.

اخبرني في الماضي صديق لي ان زوجة أخيه الأجنبية كانت تتزين قرب المساء بينما غيرها من النساء كنّ يتبرّجن في الصباح. وعند سؤالها عن السبب أجابت : “انا أعدُّ نفسي للقاء زوجي ولا يهمني كيف أبدو لغيره”!

قياسي

ماذا أفضل: ان تتزوج من التي تُحبّها أم من التي تُحبّك؟

IMG_3283

الحب وأنواعه

ما هو تعريف الحب
الحب هو تلك الجاذبيّة التي تستقطب شعور وعواطف إنسان نحو آخر فيكون فيها المرء مشدوهاً حيال ذاك الآخر وحتى لو كان غير عابئ أو منتبهٍ كل الوقت لتأثيره عليه! وقد يقبل المغروم ممّن يُحبّه ما قد لا يقبله إطلاقاً من غيره من أقوال او سوء معاملة او إهمال.

كثيرون يمزجون الحب مع المحبّة اوالممارسة الجنسيّة:
• الحب يبدأ كبيراً منذ البداية. والمغروم يشعر بالرغبة لإسعاد وإرضاء رغبات حبيبته علّها تبادله نفس المشاعر. أما إذا تمكن من الحصول على مراده منها بالزواج أو غير ذلك فقد يخفّ ولعه بها مع الزمن وقد ينتقل شغفه الى امرأة أخرى يسعى من جديد للحصول على قلبها او يلجأ اليها لإرضاء ملذاته! أما إذا ما تبيّن له ان الفتاة التي استولت على قلبه هي على علاقة مع انسانٍ آخر تفضّله عليه فنجد ان حبه ينقلب الى غيرة او حقد او حتى كره وقد يؤدّي الى الإنتقام!
• المحبّة قد تبدأ صغيرة إنما تنمو مع الزمن إذا ما سعى الطرفان على تنميتها. فبالمعاملة الحسنة ومحاولة ارضاء الطرف الآخر نجدها تترعرع وتزدهر وتؤدي الى نوع من السعادة. قد تنمو بفضل الطهي او المحادثة او المساعدة في تلبية احتياجات الشخص الآخر او المشاركة في تحمّل المسؤوليات او تربية الأولاد والى ما هنالك من أعباء حياتيّة… إنما المحبّة قد تموت اذا ما أهمل الفريقان الحفاظ على شعلتها.
• الممارسة الجنسيّة تشغل القسم الأكبر من عقول الرجال وقسماً لا بأس به من عقول النساء. وفِي الوقت الذي نجد فيه ان النشوة الجنسيّة سهلة المنال لدى الرجل الّا انها كانت شبه غير معروفة لدى معظم النساء وذلك على مدى آلاف السنين وما بدأت تُعرف كيفية إشعالها الّا من حوالي نصف قرن. وحتى أيامنا هذه نجد ان البعض من النساء يعتبر ان التلذّذ بواسطة الجنس هو مرفوض دينياً. والكثيرون يمزجون الحب بالنشوة الجنسيّة وهما واقعان مختلفان. فالذي يصرخ “أحبكِ” في خضمّ نشوته لا يعتبر كلامه دليلاً على حبه!

اما حول موضوع الزواج فنجد انه في السابق كانت العائلات تفتّش عن مجموعة كبيرة من المزايا قبل مباركة الزواج بين شخصين فيبحثون عنها لدى الفريق الآخر كالحسب والنسب والأم والأحوال المادية والمقتدرات والمهنة ومستوى التحصيل العلمي والدين وبلد الإنتماء واللغة وحتى لون البشرة والعمر والصحة العامة والى ما هنالك.

أما في أيامنا هذه فنجد كل شاب يسعى الى الزواج من البنت التي وقع في حبها وهي تسعى بدورها الى إغراء من تُحبّه وإذ أنه نادراً ما نلقى ان الإثنين يتحابّان ويتجاذبان بنفس الشدّة لذا نجد ان نسبة الزواج عن عمر مبكّر قد قلّت كثيراً عن الماضي فكلٌ يسعى وراء قلبه، وقلب التي تشغل فكره يسعى وراء غيره.

والزواج ممن تحب او من التى وقعت في حبّك لا يمكّن من التكهّن مسبقاً بنجاحه لانه متعلّق بكيفية تصرف كل فرد بعد عقد القران وسعيه الدائم للحفاظ على اللحمة وتنمية المودة والعمل الدؤوب على المحافظة على الشعلة. اما اذا أهمل احدهما العناية بذلك فنجد ان الملل يدخل الى قلبه ويبدأ بالتفتيش على علاقة جديدة تبعده عن السأم الذي يعيش فيه!

قياسي

ما حدث في مستشفى رزق في تتمّة شر البليّة ما يُضحك

IMG_3277

بعد خروجي من المستشفى بعد إجراء عملية المرارة والتي تمّ استئصالها بواسطة تنظير البطن عدت الى منزلي لأستعيد عافيتي بالتقسيط علماً بأني كنت مجبراً على الالتزام لمدة طويلة بنظام غذائي دقيق خوفاً من الوقوع فيما يضرّ بمعاناتي وقتئذٍ بعارض البانكرياتيت!

عادت بي الذكريات الى أيامٍ خلت عندما كنت شاباً يانعاً في السابعة عشرة من عمري! صحوت من نومي ذات ليلة من أواخر شهر أيلول تحت آثار مغصٍ وألمّ شديدين في المعدة. وما كان تناول فنجانٍ من النعناع الّا ليزيد من معاناتي. وإذ كان لون وجهي شاحباً أصرّ والداي على اصطحابي الى المستشفى في بيروت وذلك انطلاقاً من بيتنا الصيفي الكائن في مزرعتنا في منطقة وادي الزينة على طريق مدينة صيدا.

قصدنا مستشفى رزق والذي كان من أركان أطبائه الدكتور جورج قزّي (رحمه الله) والذي كانت تربطنا به علاقات قرابة وصداقة. ما ان كشف عليّ حتى استخلص ان العلّة تعود للزائدة ويجب إجراء عملية لاستئصالها على الفور خوفاً من ان يزيد التهابها. وكانت المداخلة تتطلب عملية شق تقليدية في الخاصرة والانتهاء بجمع طرفي الجرح بواسطة خياطة قِطب طبّيّة والمكوث بعد ذلك خمسة ايام في المستشفى!

عند إعلامي بالقرار اغرورقت عيناي بالدموع. لم أكن حاضراً من الناحية النفسية لإجراء هكذا عملية! قبلتُ على مضض و تم إدخالي الى غرفة للتحضير وذلك في الطابق الثاني من المبنى، بعد اصرار والدي على ان أمكث في قسم “البريمو” من المستشفى!

دخلت ممرضة لإعدادي للعملية. فوجِئَتْ بأني شاب في أول عمري بينما كل مرضى الطابق كانوا من المسنين الذين تسمح لهم ظروفهم المادية بتحمل النفقات الإضافية للمكوث في ذاك الجناح.

كانت شابة في بداية العشرينات من العمر، ترتدي مريولاً ابيض، ممتلئة الجسم قليلاً بشكل يظهر جمالات انحناءات جسدها. أما شعرها الاسود الناعم فيتدلّى حتى كتفيها وبياض وجهها يشعّ نضارة تزيّنه عينان واسعتان مرسومتان بإبداع، وأسوده يتوسّط بياضاً ناصعاً من انضر ما رأيت! اما خدّاها فينعمان بلون وردي أخّاذ ويزيّنان ثغراً تضيئه أسنان بيضاء متناسقة بين شفتين ممتلئتين بنفسجيتي اللّون!

حدّقت في وجهي وقالت مبتسمةً: “لم أكن انتظر ان ارى شاباً في قسمنا! عليّ ان أنظّف مكان العميلة وأحلق الشعر”. أجبتها ان لا مانع لدي وكنت أظن ان ذلك سيطال ما يحيط بمنطقة الزائدة الّا انها قالت ضاحكةً: “علي ان أحلق لك ما هو هنا”. واشارت بالسبابة الى المنطقة الاستراتيجية التي يخاف عليها كل شاب!

لم أكن أحلم بأن أول فتاة ستكشف عن “مستوري” ستكون من أجل حلط شعري وإعدادي لمبضع الجرّاح! جاءت بالصابون والفرشاة وأخذت تفلش الرغوة على المنطقة المحظورة وهي في غاية السعادة والسرور. ثم تناولت الشفرة واخذت تحلق الشعر بتأنٍ وهي تضيف بعض الرغوة عند اللزوم. وما ان اقتربت من المنطقة الحسّاسة حتى أمسكت بأغلى ما لديّ بيدها اليسرى تحرّكه حسب الحاجة بينما تمسك بشفرة الحلاقة باليمنى وهي تُدندن بصوت منخفض انغاماً جميلة! وانا بين وجعي وحيائي ألعن الحظ الذي جعلني لم أُرِ جسدي لفتاة جميلة الّا وانا في طريقي الى غرفة العمليات!

بينما هي في خضمّ العمل دخلت علينا ممرضة ثانية سمراء اللّون نحيفة الجسم وطويلة القوام! بحلقت عينيها فيّ وصرخت بصوتٍ عالٍ: “شاب؟”. واخذت تحدّث صاحبتها وتقهقهان على أبسط الأمور.

دخلتُ غرفة العمليات وكل ما اذكره انه ما ان تمّ تمديدي فوق المنضدة وحقني بمادة حتى دار فوقي جهاز الإضاءة وذهبت الى عالم آخر.

أفقت من سباتي في الغرفة التي تمّ نقلي اليها ووجدت والديّ مع بعض الأقارب يبتسمون لي ويبادرونني بالكلام. كانت غرفة كبيرة تحوي مقاعد من الجلد وطاولة وسطية للزوار! اشارت لي والدتي الى وعاء زجاجي تم وضع ما تمّ استئصاله فيه ضمن سائلٍ ما يغمره. إنما المفاجأة كانت ما تم وضعه في علبة صغيرة فوق قطنة بيضاء: الجزء الأمامي من إبرة خياطة وعليها بعض الصدأ! يبدو ان الجرّاح وجدها في جسمي وهو يشق طريقه لاستئصال الزائدة! ما الحكاية؟

عادت بي الأيام الى عمر خمس سنوات! أخذني والداي آنئذٍ الى عيادة الدكتور سرحال. بعد فحصي اكتشف ان جسماً صلباً يرزح تحت الجلد في مستو ى خاصرتي اليمنى. وبدون استعمال اي بنج قطع الجلد! صرخت صوتاً من تألّمي وكأنني تلقيت طعنة! أخرج الطبيب الجسم الصلب الذي كان مؤخرة إبرة للخياطة ولم يلقَ المقدمة التي كانت قد تحركت بضع سنتمترات!

كان تفسير ذلك ان ثمة إبرة كانت قد دخلت جسمي وانكسرت عندما لم يكن لي من العمر الا بضعة أشهر. كان الكثير من أعمال الخياطة يتم عمله في البيت وكانت عادة السيدات ان تشك الابرة في عروة فستانها كلما أخذت بعضاً من الوقت للاستراحة! ويبدو ان إحداهن حملتني على صدرها مما تسبب بدخول الإبرة عن طريق الخطأ الى جسمي!وقد بكيت حينئذً دون ان يعرف أحد سبب بكائي!

وإذ أسترجع ما حدث لي في مستشفى رزق أستنتج ان بعض الوقائع المضحكة قد تحدث في أيامنا هذه في اتعس الأحوال واذكر منها ما حدث معي في مونتريال منذ سنوات قليلة عندما كنت برفقة صديقي إيلي!

قياسي

من هم المنافقون؟

IMG_3273

وما أشدّ المنافقين دهاءً وهم كثر ممّن وقفوا على المنابر وخاطبوا الجماهير ونهوهم عن الشرّ ودعوهم الى دحض النفاق وادَّعوا الدفاع عن الحقّ ونكران الباطل!

ما خيرات العالم اليوم إِلَّا ثمرة سهلة لمن احتال على غيره وغنِمَ مما ليس له واستولى على خيرات سواه بطرقٍ شتّى تحلّلها القوانين أم لا!

كيف بِنَا نحلم بمجتمع مثالي والنَّاس يولدون من نفس الأرحام وكلّ يأتي الى دنياه بمعطيات مختلفة يستغلها لغايته ولو داس على رؤوس الناس أجمعين! فهناك الذي يلجأ لقوّة جسده وذاك الذي يستفيد من جمال بشرته وقوامه وذلك الذي يستعمل ذكاءه او مهارته في الخداع…

أنطلبُ العدل في عالمٍ يحتاج فيه صاحب الحق لمحامٍ ليحصل على ما فقده وقد يُخفق أحياناً إذا كان محامي الخصم أكثر مهارةً ويعرف كيف يقلب الحقّ باطلاً؟

أنعرفُ ان كلّ معطيات التعامل التجاري الحديث مبنيّة على أسس كيف يفترس القويّ كلّ من كان أضعف منه او من كان أكثر تسامحاً من غيره؟

أليس واقعاً ان المصارف تستفيد من إيداعات الناس لتثري على حسابهم بإغراق من يستدينون وتجني فوائد أضعاف ما تعطيه لمودعيها؟ أما اذا أخفق أحدهم فتستولي تحت ستار القانون ودون رأفة على منزله وكلّ ما يملكه!

أليس بواقعٍ مؤلم ان الكثيرين من الذين يلجأون للشرّ للإثراء غير المشروع يفلتون من سطوة القانون الذي لا يقوى إِلَّا على القلائل من بينهم؟

اما نرى ان أكثر الذين يمسكون بزمام الأمور في بلاد العالم إنما هم أشرّ الناس خلقاً وفعلاً وما وصلوا الى مناصبهم إِلَّا بعد الإجهاز على كلّ من خالفهم؟

أما نجد ان أكثر البلاد تحضّراً هي تلك التي تبعد عن القيم وإن تباهت بعكس ذلك؟

أما نستنتج اننا على الرغم من كل الحضارة التي توصّل اليها عالمنا اليوم، اننا نعيش في عالمٍ اكثر خطورة وأقل أماناً؟

قياسي

تتمّة شرّ البليّة ما يضحك

IMG_3268

بعد ان ساقني الممرّض بالسرير النقال بكل مهارة بين أروقة المستشفى والمصاعد أوصلني الى الطابق السفلي وأدخلني الى غرفة الفحص بالرنين المغناطيسي. كان شكل الماكينة التي تتوسط الغرفة غريباً وبالأخص تلك الفجوة الدائرية الأرجوانية الإشعاع في وسطها والاشبه بدهليز ضيّق والذي يتم إدخال الجسم في وسطه وكأنه تقدمة للآلهة.

ما ان انتهيت من صورة الرنين المغناطيسي وعدت الى سريري في الغرفة وانتظرت بعض الوقت حتى حضر أحد الأطباء ليعلمني بأن الصورة توضح ان الحصوة مازالت في موقعها في المرارة وأنه لا يمكنهم إجراء عملية استئصالها بسبب إصابتي بالبنكرياتيت! ولم يكن من السهل بمكان الجزم عن الْمُدَّة التي سيستغرقها الشفاء من البنكرياتيت: أهي تُعد بالأسابيع او الأشهر أو أكثر؟

قبعت في الفراش بينما كان يتوافد عليّ المحبّون ويحاولون التخفيف من وطأة تأثّري بما حصل وكلّ يقصّ عليّ رواية مختلفة عن إنسان عرفه وقد أصيب بالبنكرياتيت !

كنت اتزّود معظم تغذيتي بواسطة المصل مع وجبات صغيرة غير دسمة! وكنت أمضي معظم وقتي متأملاً بسقف الغرفة واقصد الحمّام المشترك بين آنٍ وآخر وانا أجر عامود المصل. في طريقي كنت التقي “بصاحبي” الصيني الجالس على طرف السرير القريب من مدخل الحمامات وهو لا ينكفّ عن حراك يديه وكأنه شرطي مرور والتكلّم بالهواء!

أما حمام الرجال فكانت قواطعه من رخام “الكريرا” الأبيض القديم والذي تتخلله عروق سوداء وكانت بعض أطرافه مكسورة بينما مجمل الارض كان من الموازيك المصبوب الذي تبرز من خلاله ألوان الحصى الرمادية والبنّية والبيضاء.

بعد ان أقمت أحد عشر يوماً في تلك الغرفة ونقص وزني بمقدارها من عدد الكيلوات اصبح لوني شاحباً وغرقت عيناي في وجهي وفقدت نضارة وجهي. حضرت الطبيبة الي غرفتي وقالت هذا كل ما بإمكاننا فعله الآن وأمرت بسحب إبرة المصل من معصمي وقالت يمكنك العودة الى منزلك بانتظار الشفاء من البنكرياتيت على ان لا تأكل من اللحوم والدهنيات والزبدة وو… وباختصار الامتناع عن كل ما يلتذّ بمأكله الانسان!

وإذ كانت الساعة قاربت الثالثة بعد الظهر كانت زوجتي تعلم انها على قرب من موعد تغيير الطاقم التمريضي والممرضة التي ينتهي موعدها الساعة الرابعة تفضّل إعطاء مهمة الإفراج عن المريض لتلك التي تأتي بعد الساعة الرابعة والتي قد تأخذ أكثر من ساعة لتحضير الأوراق ! لم تكن زوجتي لترضى بهكذا تأخير فلاحقت الممرضات في مركزهنّ مطالبة بتخليص معاملتي. وبعد إلحاح شديد التفتت إحدى الممرضات بزميلتها وقالت لها: اسرعي بأنهاء هذه المعاملات للسيّدة لأنها تريد إخراج والدها من المستشفى! مع ان زوجتي فوجئت بالخبر إِلَّا ان أساريرها انفرجت كونها تعطي الانطباع بأنها ابنتي!

عدت الى البيت وكان نظام أكلي محدوداً بسبب امتناعي عن كل الدهنيات والزيوت وما الى هنالك!

عدت لمراجعة الطبيب بعد أسبوعين الا انه وجد بعد الفحوصات ان وضعي في تقدم ولكن يلزم علي الانتظار مزيداً من الوقت ريثما أتعافى!

إلا ان القدر كان لي بالمرصاد مرة أخرى! ففي الصباح الباكر الذي كان يسبق أحد الفصح لدى الروم انتابني عارض ألم جديد. أيقظت زوجتي واتجهت الى مستشفى “السكري كور” مجدّداً. اصرّ على مرافقتي صديقي فؤاد. كان قسم الطوارئ الجديد قد تمّ افتتاحه وكان في احلى حلة من الترتيب والتصميم و”كاونتر” الاستقبال والمقاعد الجديدة التي لم تكن جدّ مريحة. سجّلت نفسي وقبعت في احد الكراسي انتظر دوري وأحدّق بالمنتظرين. ما ان مضت قرابة الساعة حتى سمعت ما يشبه اسمي ويطلب مني التوجه الى غرفة الأشعة! سألت نفسي: هل يعقل أن أطلب الى الأشعة قبل المرور لدى الطبيب؟ ثم فكرت انه بسبب ترددي المتكرر وإقامتي في المستشفى قد يكون الطبيب امر بإجراء صورة قبل الكشف عليّ!

دخلت قسم الأشعة وسألت المسؤولة: “اسمي آزي Azzi هل قمتم بطلبي؟ قالت: نعم. إخلع ملابسك وتمدّد على المقعد امام “السكانر”. قمت بفعل ما طلبت ولاحظت انهم يفحصون المنطقة الوسطى من جسمي، وهي المعنية بالموضوع! اطمأننت عندئذٍ للكشف!

إلا اني بعد الانتهاء قالت لي:”ستصل نتيجة الفحص الى طبيبك خلال ثلاثة أسابيع!” أجبتها: “نعم؟ انا في قسم الطوارئ وانتظر الطبيب!” ثم بٓحٓثتْ عن الطلب ولفظت اسماً طويلاً يبدو من أصل هندي وينتهي كإسمي “آزي”!

عدت الى غرفة الانتظار ومكثت حتى طلبني الطبيب. قام بفحصي وقال انه يجب اجراء العملية في اليوم نفسه وعلي ان انتظر دوري.

تم إجراء الفحوصات اللازمة لما قبل العملية وتمّ تحضيري. وعند منتصف الليل من عيد الفصح لدى الطائفة الأورثوذكسية كنت في الغرفة التى يحضّر فيها المريض لدخول غرفة العمليات. كانت جدرانها مكسية ببلاط سيراميكي قديم لمّاع وفيه بعض الرسومات الخفيفة! تم وضع سوارة بلاستيكية حول معصمي تحمل اسمي وأعطوني مواداً مهدئة للأعصاب. قلت للممرضين المشرفين عليّ وانا أشير الى الإسوارة: صباح اليوم أجريت فحصاً طبياً لإنسان غيري! أرجو الآن ان لا أجري عملية عن إنسان آخر!

وهنا تذكّرت ما حصل لي قبل عقود عندما دخلت مستشفى رزق في بيروت…

قياسي

شرّ البلّية ما يضحك

IMG_3261

في ليل خميس من أواخر شهر شباط سنة ٢٠٠٨ استيقظت من رقادي على أثر وجعٍ انتابنىي في أسفل القفص الصدري. كان الالم شديداً ومتواصلاً! ظننت في البدء انه يعود الى غازات محتقنة في المعدة فنزلت من غرفتي واتجهت نحو خزانة في غرفة الطعام نضع فيها المشروبات الكحولية. أخذت جرعة “كونياك” وعدت الى فراشي. الّا ان الألم ازداد ولم ينفعه أيضاً تناول فنجان من الشاي الساخن!

كانت زوجتي خارج البلاد في سفرة تستغرق بضعة أيام بينما كانت في ضيافتنا في الطابق السفلي ابنة أختها ڤانا التي حضرت من أوروبا لتمضية أشهر في إطار برنامج تبادل ثقافي.

تحمَّلت وطأة الآلام حتى استفاقت ڤانا فأوصلتها الى المدرسة واتجهت نحو مستشفى “الساكري كور” القريب. دخلت قسم الطوارئ وانتظرت ساعات حتى جاء دوري. بعد اجراء الفحوصات اللازمة وتحاليل الدم وضعوني انتظر في زاوية من قسم الطوارئ القديم والذي لم يكن قد استحدث بعد. كنت ممدداً على حمّالة وكانت ستارة قطنية مبرقعة برسوم ازهار باهتة تفصلني عمن كان يجاورني.

بعد نحوٍ من ساعة جاءت طبيبة لملاقاتي وقالت انها تشك بان الألآم تعود الى “المرارة”. حوّلتني الى قسم الأشعة حيث تم تصويري بواسطة الموجات فوق الصّوتيّة! بالنتيجة تم الجزم بإنّي أحمل حصوة في المرارة! طلبوا مني ان أبقى في المستشفى حتى نهار الاثنين كي يتم تصويري بواسطة الرنين المغناطيسي. وإذ لم يكن بإمكاني ترك ڤانا لوحدها قررت العودة الى المنزل آملاً ان يتم الاتصال بي لاحقاً وكان الالم قد خفّ بعض الشيء!

وإذ لم يتصل بي احد خلال ثلاثة اسابيع، انتابتني مجدّداً نوبة الم أشد من الأولى. رافقتني زوجتي هذه المرة. بعد إجراء تحاليل الدم والإيكوغرافي قرّرت الطبيبة إجراء فحص بواسطة منظار يدخل الفم ويعبر المريء ويصل حتى الإمعاء ومن ثمّ يدخل عبر مجرى المرارة لمعرفة ما إذا كانت توجد حصوة داخله!

دخلت قسم الفحص وكان الدكتور سابا مسؤولاً عن إجراء المداخلة! كان عليّ ان أجلس على شبه مقعد ابيض ظهره من نفس اللّون ويتم ادخال المنظار المثبت على رأس لولب كرومي عبر فمي بعد رش مسحوق مخدّر ومليّن في حلقي. وكانت شاشة كبيرة يتم نقل الصورة عليها! لا اذكر ما حصل بعد ذلك الا اني لا أنسى وجود شعرة سوداء على المقعد بقيت ممن مرّ قبلي!
بعد انتهاء الفحص أعادوني الى مقرّي في قسم الطوارئ! أعلموني أن مجرى المرارة نظيف من أية حصوة. سألت إذا كان بإمكاني العودة الى المنزل، قالوا: لا، عليك الانتظار زهاء الساعة!

وما ان مضت ساعة من الزمن حتى انتابني وجع لم أعرف مثله طوال عمري. كان يمتد في وسطي من أقصى اليمين الى أقصى اليسار! أخذت اصرخ من ألمي وأنادي الممرّضة دون توقف بواسطة الجرس! جاءتني وقالت انها لا تجد الطبيب وكل ما بإمكانها ان تفعله هو إعطائي حبة “تايلانول” للأطفال!

بعد مضي نحو من ربع ساعة عانيت فيها كثيراً من الآلام حضر أحد الممرضين وحقنني بما عرفت فيما بعد انه من نوع المورفين! حتى تلك الحقنة لم تكن لتسكّن أوجاعي. اعلموني اني أصبت بالبنكرياتيت على أثر ملامسة أدوات الفحص للبنكرياس!

والبنكرياس هو الذي يفرز الإنزيمات الخاصة بهضم كل ما يدخل المعدة. لذا أصبحت تغذيتي بواسطة المصل ومنعت عن شرب او أكل أي شيء! ولم أكن أعرف الى متى ستدوم معي هذه الحالة!

تمّ نقلي الى غرفة في الطابق الرابع. وجدت ان الذين يقيمون في هذا الطابق لا أحد يدري المدة التي سيمكث فيها في الجناح! ذاك قد يعيش أياماً معدودة أما ذلك الآسيوي الذي يجلس على طرف سرير في وسط الممر ويصرخ محدثاً كل مارٍ فقد يعيش سنين طويلة!

تقاسمت الغرفة مع رجل مسنّ يبدو انه كان يعاني من قلبه. كان سريره من ناحية الشباك وكانت ماكينة تزوّده بالاوكسيجن لها صوت مدوي وتبصق بحرارة غير مرغوب فيها لدرجة اني كنت اطلب من الممرضة خلال الليل ان تشق الشباك لتغيير الهواء!

في عصر اليوم التالي رنّ الهاتف الخاص بسريري. وما ان رفعت السمّاعة حتى تأكدت المتصلة من اسمي وعرفتني بنفسها على انها من القسم الاداري بالمستشفى وطلبت مني ان أقوم بتسديد مبلغ ١٧٩ دولاراً عن كل يوم امضيه في تلك الغرفة باعتبار انها تُعتبر نصف خاصة وهو نصف المبلغ الذي يتمّ دفعه عن غرفة خاصة! سألتها: “لمَ لم يضعوني في غرفة عادية؟” أجابت أنه لا يتوفّر في الوقت الحاضر أي سرير خالٍ في الغرف العاديّة! عندئذٍ طفح الكيل معي وهاجمتها قائلاً: “انا ضحيّة خطأ طبّي وقد توقفت عن العمل بسببكم ولا أدري الى متى، وانتم لا تجدون لي سريراً خالياً في الغرف العاديّة وتطلبون مني ان أسدد الفرق؟ ” وهددتها باني سألجأ الى محاميّ وهو يعرف كيف يخاطبهم!

وفِي الليلة التالية سمعت حركة غيراعتيادية للممرضات وراء الستار الذي كان يفصل الغرفة الى قسمين.ثم توقفت ماكينة الأوكسجين عن العمل. علمت آنئذٍ أن جاري قد قضى نحبه. تم إخراجي بالصباح الباكر الى خارج الغرفة حيث مكثت وقتاً حتى الانتهاء من عملية التنظيف!

بعد يومين وإذ بدأت بتناول القليل من الطعام السائل، دخلت لزيارتي احدى الطبيبات المتدربات. كانت بيضاء البشرة مستديرة الوجه شعرها اسود قصير وجسمها مائل الى البدانة. كانت تلبس مريولاً ابيض وفِي جيبها كتاب طبي يدل على انه من نوع: “الطب للبسطاء”. طمأنتني عن حالتي وقالت ان ما علي الّا الانتظار حتى أشفى!

ما ان خَرجَت من الباب حتى سمعت بالمذياع انهم يطلبون سريراً نقالاً للغرفة ١٦ب وهي غرفتي. وبعد لحظات سمعت دويّ خطوات في الممر الرئيسي وكأنه صوت فرقة مشاة. توقّف الركب أمام غرفتي ورأيت اربع ممرضات من كل ناحية من السرير النقال. حضرن الى جانب سريري وأخبرنني إنهن متدربات وجئن لأخذي لإجراء صورة رنين مغناطيسي. أمسكت أحداهن بذراعي الأيمن بينما أمسكت أخرى بذراعي الأيسر وبعامود المصل وساعدتاني على الوقوف والمشي نحو السرير النقال. الا ان سطحه كان عاليا بشكل يوازي صدري! وأَخَذْن يتساءلن: كيف نرفعه الى الفراش؟ هل نحضر له سلّماً؟ (كان ذلك يستدعي سلَّما كالذي يستعمل للطائرات!) واذ بإحدى الممرضات فطنت لوجود دعسات في أسفل السرير. وأَخَذْن يجربن تلك الدعسات لإنزال مستواه: تارةً كان ينخفض من الخلف وطوراً من الامام وأخيراً تمكّنّ من الوصول الى علو مقبول. ساعدنني على التمدد فوق السرير ورافقنني اربع من كل ناحية حتى وصلت الى محطة الجناح. احسست وكأني بموكب رئاسي! ومن المحطة تولى أمري ممرض أوحد كان على تمام الخبرة بكيفية جر السرير!

وللقصّة تتمّة …

قياسي

تمنّياتي لكم بالعيد

IMG_3247

منّي لكم أطيب الأمنيات
علّ الرجاء يغمر النفوس
وبالأمل تشعّ العيون
وبالخير تنعم الأُسر
والسلم يدحر الحروب
والعدل يحكم الربوع
والمحبة تفعم القلوب

كل عيد وانتم بخير
بشير القزّي

قياسي