أنا وأخي صلاح

احتدم النقاش يوم أمس بين فريقين من المنتدى حول الطريقة الأفضل لتعليم اللغة العربية: فريق يدعو الى تلقين القواعد قبل كلّ شيء وآخر يدعو الى كثرة المطالعة والتعلّم عبر السليقة! وتذكّرت ذاك التساؤل القديم حول من وُجد في البدء: البيضة أم الدجاجة؟

وعادت بي الذكريات الى طفولة أخي صلاح الذي يصغرني بثلاث سنوات وبضعة أشهر والذي يصادف عيد ميلاده يوم غد! كان يختلف عنّي بشعره الأشقر الذي يحمل بعض الثنايا وسحنته الناصعة البياض وعينيه الخضراوين. تميّز بطلاقة لسانه منذ سنته الأولى وأذكر أوّل ما نطقه وهو يتوجّه الى امرأة عمّه ناجي: “ماري! “بوتي” أحمر!” وذلك مشيراً الى حذائه…

سافر والدي الى باريس مبعوثاً من قبل وزارة المالية وذلك لفترة ستة أشهر وذلك من أجل التعمّق في شؤون الضرائب الغير مباشرة. وإذ كان التواصل الهاتفي صعباً في تلك الأيام، ثابر الوالد على كتابة رسالة كلّ يوم، كانت والدتي تقرأها علينا لدى وصولها، وذلك بالتأكيد بعد أسابيع من إرسالها! وكانت كتاباته بأسلوب أدبي مميّز!

قبل أسبوعين من عيد الميلاد، أرسل لنا بالبريد بطاقة معايدة مختلفة عما تعوّدنا على رؤيته. مربّعة الشكل، تحوي تسجيلاً صوتياً للوالد باللغة النحويّة  يمكن سماعه بواسطة الماكينة الخاصة بالأسطوانات ! أذكر منه البداية: من على ضفاف نهر السين…

أعدنا سماع التسجيل عدة مرات وبالأخص لدى زيارة الأقارب لمعايدتنا إلا أننا فوجئنا بأن صلاح حفظ النص بالكامل وبدأ يردده عن ظهر قلب وبإلقاء جيد وهو لم يتجاوز بعد السنة والنصف من العمر!

كنا في تلك الأيام ننصت كثيراً للراديو الذي كان يتطلّب حوالي الدقيقتين من الزمن مذ تشغيله وحتى صدور الصوت! وكان المذيعون قلّما يُخطئون في قراءاتهم لنشرة الأخبار وكان أخي يُنصت الى تلك النشرات بانتظام!

أذكر أول يوم ذهب فيه الى المدرسة ،وكان في الرابعة من العمر، وقد مرّ الأوتوكار (الباص الخاص بالمدرسة) أمام مدخل البناية لنقله الى مدرسة اللّيسيه الفرنسي. بكى كثيراً قبل صعوده الى الباص! في آخر النهار وعند رجوعه الى البيت قال: “خلصت المدرسة وطلعت الأوّل!

بعد مرور شهرين أو اكثر منذ بدء العام الدراسي وفي حدود فرصة عيد الميلاد، رنّ جرس الباب. فتحتُ الطاقة الزجاجيّة من أعلى الباب لأعرف من الطارق! وجدت فقيراً تراءى لىي من وراء القضبان الحديدية الموجدة وراء الدرفة! كان يتسوّل. ذهبت لإخبار والدتي وكانت تأخذ قيلولة بعد الظهر! كان صلاح بجانبي. أخبرتها أن الشحّاذ على الباب وهو يستجدي! قالت: “أعطه رغيف خبز. أودّ أن أنام!” ذهبتُ لإعطائه رغيف الخبز، إلا أن ذلك لم يعجب صلاحاً!

وإذ كان لم يتعلّم بعد في المدرسة “التمييز بين الألف والعصا” طلب مني أن أشغّل له ماكينة التسجيل الصوتي وكانت من البكرات الكبيرة ” الريل”. وقف وراء المذياع وألقى كلمة بلغة الضاد النحويّة تحت عنوان: “الفقراء وعيد الميلاد”.

نسيت ما قمت بفعله، إلّا ان والدي اكتشف التسجيل بعد ذلك وأعجب كيف ان ابنه يحسن الخطابة في لغة لم يتعلّمها بعد!

وهكذا بدأت والدتي تطلب من صلاح ان يلقي “خطاباً” في كل مناسبة. كان ينزوي لبضعة دقائق في الداخل ثمّ يعود ليلقي كلمته بين الناس وهو يقف فوق طبليّة خشبيّة! وهكذا أجاد اللغة العربيّة دون ان يتعلّم قواعدها!

قياسي

ما قصة التعنيف الزّوجي؟

ما قصة التعنيف الزوجي وهل من حلول لها؟

(فيما يلي سأتعرّض للمشاكل التي ترجع الى العنف الآتي من الرجل، أما فيما يختصّ بالمشاكل التي تكون فيها المرأة هي المعنِّفة فقد ينطبق بعض ما سأقوم بتقديمه) 

التعنيف الزوجي

أما التعنيف الزوجيّ فهو قديم العهد وقد يرجع الى ولادة البشرية. ففي الماضي البعيد كان الشاب يترقّب الفتاة في تنقّلاتها حول المسكن الذي كانت تقطنه مع عائلتها وما ان يستفرد بها حتى ينقضّ عليها ويخطفها وقد يجرّها من شعرها حتى يصل بها الى مأواه حيث يفتعل بها تحت وطأة الضرب! ولم يكن بمقدورها الفرار نظراً لفارق القوّة الجسدية وكان يبقيها عنده حتى تحمل وتلد أبناءه وهكذا تصبح فردًا من العائلة! أما أهل الفتاة فكانوا يهبّون لإنقاذها خلال الساعات الأولى للخطف إلّا ان وتيرة النخوة لنجدتها تخف حين يوقنون ان الفتاة قد تمّ فضّ بكارتها، وكأن عذارتها هي أهمّ ميّزة لديها وكل ما خلا ذلك لا يساوي شيئاً!

ومع مرور الأزمان ورغم تقدّم البشرية، ما زال العنف موجوداً لدى الكثير من الأزواج! أما عن الأسباب التي تولّده فهي متعدّدة:

  • تأثيرات تربوية

يتأثر الأولاد كثيراً بالمحيط الذي نشأوا فيه. فإذا كبر الولد وهو يشاهد والده يضرب أمه لتأديبها كلّما تراءى له أنها أخطأت في شأنٍ ما، وإذا رأى تعنيف المرأة أمر مستساغ في بيئته، فلا شكّ أنه عندما يتزوّج سيستسهل اللجوء الى ذاك الأسلوب كلما دعت الحاجة (حسب رأيه)! وقد يجد تحفيزاً وتشجيعًا من أمه أو أخته على استعمال العنف! ألا يذكر أحد منكم المثل القديم القائل: “المرأة كالسجّادة الأعجميّة، كل ما خبّطها، كل ما بتجوهر”؟

  • أصول “جينيّة”

يولد بعض الأطفال ولديهم رغبة في اللجوء الى العنف للحصول على ما يرغبون به وانتزاع ما بيد أصدقائهم عن طريق القوّة. وقد نلاحظ ان هؤلاء الأفراد يتلذذون بإيذاء غيرهم من أترابهم! 

  • ضعف في التعبير عن الأفكار والدفاع عن الآراء

نظراً لتفوقهم بالقوّة الجسدية، يلجأ بعض الرجال الى استعمال العنف لإقرار ما يريدون عندما يكون موقف الزوجة مخالفاً لرغبتهم! فحسب ما تعلّمناه عبر التاريخ هو أن الحق دائماً مع القوي ولو أخطأ!

  • الإدمان

أكان ذلك إدماناً على المشروبات الكحوليّة أو لعب الميسر أو المخدرات أو معاشرة بنات السوء، كل ذلك يؤدّي في الكثير من الأحيان الى مشاجرات عنيفة مع الزوجة التي تجد رجلها قد تخلّف عن المواظبة على عمله وواجباته العائلية وقصّر في تغطية مصاريف البيت!

  • الزوجة النكديّة

بعض النساء نكديّات بامتياز بحيث أنهنّ لا يتوانين عن استقبال أزواجهنّ  بالتذمّر والنق ولا ينفككنَ عن ذلك حتى يشتعل الجو بالشجار الذي يؤدّي الى العنف!

  • تفسير خاطئ للأديان 

في بعض البلدان بالغ البعض في تفسير أديانهم بحيث اعتبروا انه يحق للرجل ان يؤدّب زوجته بالضرب متى أراد! وطالما أن القانون لا يحاسب الرجل على فعلته فإننا نجد أن المرأة في الكثير من المجتمعات المتخلفة تعتبر أقل اعتباراً من الرجل الذي بإمكانه ان يضربها دون ان يحاسب!

هل من حلول لهذه المعضلة؟

لا أجد وسيلة ناجعة لوضع حدٍ لهذه المآسي التي تعاني منها المرأة في أغلب الأحيان! بعض البلدان سنّت قوانين لحماية المرأة، إلّا ان ذلك لم يساعدها على ردع الرجل عن إيذائها وتعنيفها! رغم التقدم الذي حدث، نجد أنه كثرت البيوت المعدّة للنساء المعنّفات، إلّا ان الإنفصال عن الزوج بقي الحلّ الأسلم في هكذا علاقات مدمّرة لشخصيّتها! قد ينفع في بعض الأحيان اللجوء الى أخصّائيين في علوم النفس، إلّا أن الحياة المسالمة لا تدوم طويلاً ويعود الشجار الى ما كان عليه قبل الجلسات مع الطبيب النفساني!

قياسي

تساؤلات حول الوباء

تساؤلات حول جائحة الكورونا

  • هل للسلطة الحاكمة في أيّ بلد دور في إيقاف انتشار الوباء؟
  • ماذا على الدول ان تفعل أكثر مما قامت به؟
  • هل الدول الغنيّة قادرة أكثر من غيرها على الوقوف بوجه الجائحة؟
  • هل للتقدم الطبي قدرة في مواجهة الوباء؟
  • هل توفّر التجهيزات الطبيّة يلعب دوراً كبيراً في محاربة المرض؟
  • إذن، كيف نفسّر ان ٨٠٪؜ من الضحايا الذين قضوا نحبهم نجدهم يتوزعون على ٦ بلدان تعدّ من بين الأكثر تقدماً بين سواها: الولايات المتحدة وإيطاليا وإسبانيا و فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا؟
  • كيف نفسّر أيضاً أن الولايات المتحدة، أقوى دولة في العالم،  ومن أواخر من حصدها الداء، تحمّلت ٢١٪؜ من مجموع وفيّات العالم وأكثر من ٣١٪؜ من مجموع الإصابات، بينما الشعب الأمريكي من الناحية العدديّة لا يمثّل أكثر من ٥٪؜ من مجموع شعوب العالم؟
  • هل على السلطات الحاكمة أن تبني سياستها ارتكازاً على تعليمات الجهاز الطبّي، أم على الأطباء ان يلتزموا بما تأمر به السلطة؟
  • بمَ نفسّر ضآلة الوفيات الناتجة عن الوباء في البلدان الفقيرة والتي تخلو من التجهيزات الطبية وتفتقر الى الإمكانيات الماديّة؟
  • كيف لم يستفد الغرب من التجربة الصينيّة التي بدأ فيها الوباء قبل ان ينتشر على وجه البسيطة؟
  • هل من عبرة من ان نسبة الإصابات لدى الشعوب ذات البشرة السوداء كانت ضئيلة في القارة الأفريقية بينما استهدفت نفس الشعب المتأصّل من القارة نفسها وذلك في الولايات المتحدة الأمريكية ؟ نفس السؤال يتعلّق بالمتحدّرين من أصول من أمريكا اللاتينية!
  • وبالنهاية، وبعد ان توقفت الأعمال بشكل غير مسبوق على وجه المعمورة، الى أي مدى يصبح الاحتماء من خطر التقاط الوباء أكثر أهميّة من السعي وراء تحصيل القوت؟             
قياسي

الإنسان بين الدين والطبيعة والكوارث

الإنسان والدين

منذ اليوم الأول الذي وُجد فيه الانسان على هذه البسيطة وهو يتساءل عن تلك القدرة التي خلقت العالم بكلّ مكوّناته! والإنسان مفطور على الإيمان بخالق حتى وإن ألحد! وهو يتطلّع الى كلّ ما كان حوله من كائنات ونباتات وجبال وانهار وبحار وغيوم ورياح وليل ونهار ونجوم وأقمار، أدرك أن قوة قادرة ما أوجدت كل ذلك ولا بد من الانصياع الى مشيئتها! وعلى مرِّ الأزمان تعبّد الانسان للأصنام  أو الأحجار، أو الشمس أو النار، أو الأفاعي أو الأبقار، ونوّعَ بمهام كلّ إله يعبده وتراءى له ان من يتعبّد له يتعطّش للدماء فنحر أغلى ما عنده من ماعز وخراف وسوى ذلك من المخلوقات تقدمةً لمعبوده كما  ذُبح الكثير من الأطفال والأولاد والكبار طلباً للرضى والمغفرة أو لنيل المساعدة في أمرٍ ما! 

وأهم ما توصّل اليه الانسان في إيمانه كان نزول الديانات السماوية التي أبعدته عن الخرافات بينما وضعت نظاماً للتعايش بين أبناء البشر لم يقم الخلق باتباعه على الدوام!

الإنسان والكون

راقب الإنسان الكون منذ البدء وبالأخص شروق الشمس ومغيبها، وبزوغ القمر وأفوله، وتغيّر معالمه حسب الأيام، واستهدى  لسفره خلال الليل باتجاه مجموعات النجوم، كما لاحظ تغيّر الفصول على الأرض وقد توصّل الى وضع تقاويم ورزنامات تحدد الأيام والأسابيع والأشهر والسنوات!

وبالرغم من كلّ ما توصّل اليه العلم من معرفة، تبيّن انه لا يغطّي إلّا القليل بينما يخفى عنه الكثير في عالمٍ لا متناهي في الكبر، ويتجزّأ الى ما لا يمكن تحديده في الصغر!

أما الكائنات التي تعيش على هذه الأرض فهي تلدُ  وتولد من بعضها البعض ولكل من أجناسها طول حياة يختلف عن غيره! ومنها الذي يقتات من النبات ومنها الشرس الذي يفترس غيره من المخلوقات!

الانسان والكوارث

على الرغم من أن الكثير من الكائنات الحيّة تعيش في خوف دائم من ان تقع فريسة غيرها، الّا ان عدداً معدوداً منها انقرض وجوده لأن تعادلاً ما استمرّ على مدى الأزمان بين الولادات وحالات الموت الطبيعي وضحايا الافتراس وحاجة المخلوقات للتغزية!

وإذ كنت أخال ان الكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين، والأعاصير والطوافين، وفيضانات الأنهار والتسونامي، والجفاف والحرائق، هي من اختلال الطبيعة، استنتجت ان الخالق أوجدها لتحدّ من تكاثر الكائنات بشكل كبير! أضف الى ذلك الأمراض والأوبئة التي تقضي على حياة الكائنات قبل أوانها. وكلّما تمكّن الطب من التغلّب على أحدها، أوجدت الطبيعة وباءً لا دواء له!                                 

قياسي

ما بعد الكورونا

وقفت عقارب الساعة! وكأنّ العقرب الكبير لامس بطرفه العقرب الأصغر وعلق به ولم يعد يقوى على الحراك! اسمعُ تكّةً تلوى الأخرى إلّا إن العقارب تلازم مكانها!

هذا ماحدث على البسيطة بعد أن فتكت الجائحة كورونا ببني آدم! جمّدت حركتهم بينما بقي عالم الطبيعة على حاله دون أن يتأثّر بما حدث!

لأوّل مرة في التاريخ يتساوى المسجون بالحرّ ويلتزم كلّ منهما بالرقعة التي يتواجد عليها. إن خطرَ مبارحة المكان أكبر من معاناة العزلة. أمّا متابعة تعداد الإصابات وهو يتصاعد فيحبط كلّ رغبة في الخروج الى الحريّة! 

بقي ان نعرف كم سيكون عدد الضحايا ومتى ستنتهي هذه الأزمة؟ أفي مدة تعدّ بالأسابيع، أم بالشهور، أم بالسنين؟

ومتى انتهت، هل سيعود كل شيء الى ما كان عليه؟ وماذا بعد الكورونا؟

قد يكون الكثير من المصاعب التي من المتوقّع مواجهتها أشدّ خطورة من الوباء نفسه! وعلى الرغم من كل المساعدات الحكومية سنرى الكثير من أصحاب المصالح والأرزاق يرزحون تحت حمولاتهم ويضطّرّون الى إقفال مصادر رزقهم الى غير رجعة! وكالعقبان التي تجوب الأجواء بانتظار الانقضاض على الفرائس ما ان تُسلم روحها، سنرى الكثير من صقور الأرض ينهشون لحم الضعفاء قبل ان يلفظوا أنفاسهم! وإذا كان عقبان السماء يتوقّفون عن النهش لدى امتلاء إمعاءاتهم فإننا نجد صقور بني آدم لا يشبعون!

ولا بدّ من ان نسأل ما يلي:

هل ستعود القوة الشرائية للأفراد كما كانت عليه قبل الجائحة؟

هل ستنتج المصانع ما كانت تقوم بتصنيعه من قبل وبنفس الغزارة؟ 

هل ستفتح المطاعم أبوابها من جديد لتستقبل الزبائن كما في سابق عهدها؟

هل سنجد من جديد صالات السينما والمسارح ومدن الملاهي تستقبل روّادها؟

هل سيعود الإنتاج السينمائي الى سابق عهده؟

هل ستستقبل الفنادق عدداً كافياً من الزبائن يغطي المدخول الأدنى المرجو لاستمرارها؟

هل سيعود الطيران الى نشاطه وينقل من المسافرين ما يكفي لتغطية مصاريفه؟

هل ستعود تجارة السياحة الى التمكن من تشغيل المراكز التي كانت في أوجّها قبل الأزمة وتستوعب اعداداً كبيرة من السواح؟

متى ستعود البواخر السياحية الضخمة الى الإبحار؟

هل سيتمكّن رب كل عائلة من دفع إيجار الشقة التي يسكنها أو تسديد المبالغ الشهرية المتوجبة عليه تجاه المصارف؟

هل بإمكان أية عائلة ان تحلم من جديد بشراء شقة أو منزل؟

هل ستتمكن الشركات العقارية من بيع ما بنته من مشاريع وشقق سكنية؟

هل ستنخفض القيم العقارية ولن يستطيع أصحاب البيوت والشقق بيع ما يملكونه لتسديد القروض المتوجبة عليهم؟

هل الذي فقد وظيفته يحلم بالحصول على وظيفة جديدة توازي ما كان عليه؟

هل بإمكان الفرد ان يقتني سيارة ويدفع تكاليفها كما كان يفعل من قبل؟

هل ستتمكن المحالّ التجارية من فتح أبوابها وسيتدفق عليها الزبائن لشراء ما خزّنته من بضائع وهل ستتمكن من تسديد الإيجارات والرواتب كما جرت العادة من قبل؟

بعد ما حصل في البورصة، ماذا سيكون وضعُ الذين خسروا مدّخراتهم؟

هذه أسئلة تمثّل غيضاً من فيض لا يستطيع أحد التكهن بإيجاد الأجوبة! وهنا لا نتكلم عن الأثقال التي تحملها الدول والتي كان معظمها يئنّ تحت وطأة الديون!

ليس لدينا سوى التفاؤل بالخير علّنا نجده بعد غياب!

قياسي

هل بإمكان القلب أن يعشق اثنين؟

(ملاحظة: وإن كنت أتكلّم فيما يلي عن الرجل، إلّا إن الوضع قد يتشابه عند المرأة)

مسكينٌ كلّ من وقع في شراك الحب وعانى الأمرّين من تعقيداته ومرّه قبل ان يذوق حلوه! بيد إن المسكين الأكبر يبقى ذاك الذي لم يعرف الحب يوماً ولم يعانِ بما يشعر به كلّ عاشق حين تشدّه قوّة لا يستطيع التحكّم بها نحو امرأة دون غيرها ولا يقوى على التخلّص من الرغبة بأن يداوم على السعي لرؤيتها وليكون بقربها ولا يردعه رفض عن ان يعاود الكرّة مرّة بعد أخرى آملاً بأن ترضى به ولو بعد حين!

قد تلوي القوّةُ الصلب والحديد، ويغري الجاهُ النفوس والعقول، ويشتري  المالُ الأملاك والقصور، والسيارات واليخوت، والألماس والياقوت، والخدم والحشم، والثياب والأحذية الثمينة، وقد يشتري حتى جسد المرأة إلا ان كل ذلك لا ينفع ولا يكفي لشراء قلبها! قد يقترن بها وينعم بإخلاصها ومحبتها إلّا انه لن يحصل على رعشة مماثلة لتلك التي تحدث له عند رؤيتها!

العالم الذي نعيش فيه غريب أمره. هو أشبه بحلبة رقص واسعة يدور فيها الشبّان والفتيات حول بعضهم وكلّ يفتّش عن شريك يشدّه اليه ويستحوذ على قلبه! وقد يبحث طويلاً حتى يلقاه إلّا انه يفاجأ ان الذي وجده يبحث هو الآخر عن شخص مغاير له! 

أما عن القلب فهل يهوى اثنتين في نفس الوقت؟ وهنا لا أتكلم عن تعدد الزوجات أو ممارسة الجنس مع عدة نساء وتلك أمور حدثت على مدى الأزمان!

متى ملأت امرأة قلب شاب، فإنها تستولي على كل الباحة  وقلما يبقى من الاتساع لوجود امرأة ثانية وان كان ذلك ليس بالمستحيل !  

قياسي

بين الحرب الأهليّة والكورونا

أعادتني الأيام التي تمضي الى ذكريات خِلتُ نفسي أنّي تجاوزتها وأنها ذهبت الى غير رجعة! تلك الذكريات المؤلمة التي عشتها خلال الحرب الأهلية (بالنسبة لي خلال سنة ١٩٧٥ وما تبعها وأما بالنسبة للقراء الكرام فأشكّ أن الكثيرين منهم أفلتوا من العيش في خضمّ صراعات مماثلة حصلت ضمن فترة مختلفة من تاريخ شرقنا الذي أُجبرنا على التخلّي عنه)

في أيامنا هذه تغيّر الأعداء واختلفت الأسلحة وتبدّلت الظروف:

  • كانت الأسلحة مؤلفة من بنادق ورشاشات ومدافع هاون وقنابل وخوزات وقائية.
  • أصبحنا مدجّجين بكمّامات وقفّازات ومساحيق تنظيف
  • كان العدو مكوّناً من أناس يشبهون باقي البشر ويختبئون وراء متاريس وأبنية
  • عدوّ اليوم لا يُرى بالعين المجرّدة
  • كنا نشعر بالمعارك من صوت الإنفجارات ورائحة البارود
  • أصبح العدوّ يقترب منّا ويهدد حياتنا دون أن يُصدر أي صوت أو رائحة
  • تعرّفنا على جيراننا وآخيناهم عندما كنا نختبئ في الملاجئ أوقات القصف
  • نبتعد اليوم عن الجيران ونخشى الاختلاط بهم وتعرّفت عن قرب على زوجتي لأول مرة بعد كل العقود التي عشناها سوياً
  • كان من يصاب بالحرب يتمّ نقله الى المستشفى لمعالجة جراحه ويتدفق عليه كل الأقرباء والأصحاب لزيارته ومواساته والسؤال عنه
  • أصبح المريض يوضع بالحجر الصحّي ويبتعد عن زيارته الجميع بما فيهم أفراد عائلته
  • كان كلّ من ييأس من الوضع المزري يركب البحر عبر أي مركب أو يحجز على متن أول طائرة وذلك للسفر الى أي بلد آمن
  • أصبحنا نخشى استقلال المراكب والطائرات وأصبحت كل البلدان غير آمنة
قياسي

ضقت ذرعاً بأخبار الكورونا

ومن لم يمت بالزلازل والبراكين والأعاصير والأمواج والكوارث والأمراض،  يهلك بالحروب أوعلى أيدي المجرمين… أمّا إذا أفلت من كلّ ذلك فيقضي نحبه عندما تأتي ساعته!

ضقتُ ذرعًا وملأني السّأم من الإصغاء الى كلّ ما يبثّ على أجهزة التلفزة وما تتداوله وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة من أخبار وندوات وتسجيلات محورها انتشار ذاك المرض المستجدّ المنتشر تحت اسم “كورونا”! لقد فتك بمئات الآلاف من أبناء هذه المعمورة دون ان يميّز بين جنس بشريّ وآخر وبين غنيّ وفقير وامتد خطره الى الأقطار كافة تاركًا وراءه ضحايا بعشرات الآلاف ولم يعد يتسع ثرى مقابر الأرض لمواراة أمواته!

ضربت الأمراضُ جميع البشر منذ البدء إلّا أن الوباء كان يأخذ سنوات  لينتقل من صُقعٍ الى آخر أو بين بلادٍ وسواها حتى وإن كان ذاك المرض تحمله الرياح وتنقله الطيور! وإذا صحّت تأكيدات الأطباء من أن الابتعاد بضعة أقدام عن المريض تكفي للوقاية من التقاط المرض، فكيف نفسّر هذا الاجتياح لبلدان العالم كافة وذلك خلال أسابيع معدودة؟

الغريب في الأمر ان عالمنا اليوم يحوي عدداً غير مسبق من الأطباء والعلماء يُعدّ بالملايين وعلى الرغم من ذلك نقف عاجزين عن علاج مرض جديد أو وقف انتشاره!

وما فرّق بين شعوبهم السّاسةُ والنفوسُ السيّئة  أعاد جمعه المرض اللعين! ها إننا تناسينا الصراعات الإقليمية وحروبها وأصبح الأقوياء والضعفاء يخشون معاً “فيروس” لا تراه أمّ العين!

قياسي

بين الغزل والتحرّش

ليس الرجل والمرأة وجهين لعملة واحدة ولو أنهما يولدان بنفس الطريقة! في الماضي لم يكن يُعرفُ جنس المولود قبل ولادته وكان يكفهرُّ وجه الأهل عندما يعرفون أن المولود أنثى، بينما تنفرج أساريرهم ويعم الفرح قلوبهم إذا ما كان ذاك الطفل ذكراً! كانوا يضعون اللّوم على المرأة التي تتوالى إنجاباتها بالبنات، وكان البعض منهم يطلقون على تلك البنات أسماء كمنتهى وناهية ونهى وختوم آملين أن يتوقّف تدفّق الإنات ويأتي بعدها المولود الذكر!

التاريخ لم ينصف المرأة إذ جعلها أقل قدراً من الرجل الذي افرط في استخدامها في مسكنه وقد حملت مواليده وربت أولاده وشاركته همومه وطهت طعامه ونظفت منزله وملابسه وغير ذلك من الأعمال … إلّا انها تمكنت خلال العقود الماضية الأخيرة من الحصول على الكثير من الحقوق والقوانين التي أُعدّت لحمايتها ومساواتها بالرجل!

والتجاذب بين المرأة والرجل قديم العهد ولم يتوقف على مدى الأزمان. وإذ أعطى الخالق الرجل حظاً أكبر من القوة الجسدية إلّا أنه خصّ المرأة بقدر أكبر من الجمال أكان ذلك عبر تجانس انحناءات جسمها أورسم عيونها أوتخطيط شفتيها أوغير ذلك من المعالم الجميلة! وهذا الجمال كان سلاحًا ذا حدّين إذ بالقدر الذي جلب الحظ لبعضهنّ إلّا أنه كان حملاً ثقيلاً على البعض الآخر حيث استقطب التحرشات والاعتداءات الجنسية من قبل الرجال! وكم رأينا من الفتيات يجلسن على شرفة منازلهنّ وهنّ ينتظرن مرور فتى الأحلام الذي يتجسّد بأمير يمتطي حصاناً أبيض ويقع في غرامهنّ بينما لم يحلم أي شاب بمرور أميرة تقع في غرامه!

يقول مثل روسي ان الرجل يعشق ما تراه عيناه بينما المرأة تعشق ما تسمعه أذناها! وهكذا كثر تغزّل الرجال بالمرأة التي كانت تعرف كيف تسحر الشاب عندما تتمايل وهي تمشي وتهزّ ردفيها أو تسترق النظر من طرف عينيها أو تفرج عن ابتسامة ترتسم على شفتيها!

وإذ كان الرجل يشكو من عدم إخلاصه لامرأة واحدة في بعض الأحيان وقد تقوده غرائزه الى التفتيش عن نساء أخريات، وهنا تقع الكارثة اذ “إن كيدهنّ عظيم!”

في عالمنا اليوم باستطاعة المرأة ان تشكو رجلاً أمام المحاكم لأنه اعتدى عليها جنسياً قبل عقدين من الزمن أو أكثر وقد يقضي سنوات طويلة في السجن توازي ما يمضيه القتلة، بينما قد تشكو أخرى رجلاً في سبيل الانتقام منه وتدّعي بأنه اغتصبها أو قبّلها دون رضاها أو تحرّش بها سابقاً وذلك بدافع داخلي لديها لأنه تركها ووقع في شباك امرأة أخرى!

هل من الضرورة في عالم اليوم الى توقيع وثيقة تَوافق كلما أراد شاب تقبيل فتاة أو التمادي في العلاقة معها؟

حتى ان التغنّي بجمال فتاة أصبح يعدّ عند بعضهنّ تحرشاً جنسياً!   

قياسي