
من ذكريات عقد قراني (الجزء الخامس)
في إحدى الأمسيات التي كنّا نتسامر فيها، كنّا نجلسُ مواربةً، كلّ على ناحية من تلك المقاعد التي تشابه المجالس العربيّة.حنتْ ميشا رأسها قليلاً نحو اليسار وحدّقت مليّاً في وجهي وابتسمت متسائلة: “ما الذي يُعجبك في تكاوين وجهي؟” أجبتها: “عيناكِ” إذ تذكّرت تلك العينين الجميلتين اللتين كانتا تلاحقاني كلّما التقينا في مجالس الأصدقاء! إلّا أنّي فوجئت بردّها إذ قالت لي: “انت أوّل شاب يقول أنه أعجبَ بعينيَّ، إذ إن الشبّان يدّعون أن شفتايَ هما محطّ إعجابهم!” فطِنتُ إلى أنها متى ابتسمت بتلك الشفاه المرسومة بشكلٍ لم أرَ مثيلاً له، وأفرجت عن ثغرٍ يزيّنه طاقمٌ لؤلئيٌّ ولا أجمل من ناحية التناسق والجمال، لكنت أرى الابتسامة تشعُّ من عينيها الجميلتين ومن خدّيها الورديَّن ومن معالم وجهها كافةً! قلت لنفسي: محظوظ ذاك الذي يستفيقُ كل صباح على رؤية تلك الابتسامة الرائعة الجمال!
توافقنا على ان نبدأ مشوارنا معاً في هذه الحياة آملين أن يكون ارتباطنا طويل الأمد وان لا نفترق ما حيينا وأن ننشئ عائلة بالقدر الذي يُرزقنا به الخالق! لذا توجهتُ بالطائرة إلى لبنان لإعلام والديّ بالقرار الذي عزمت عليه!
ما ان وصلتُ إلى المنزل في لبنان حتى استقبلتني والدتي وتملّك بي إحساس بأنها على يقين بالقرار الذي كنت قد اتخذته. دعت لي بالتوفيق في حياتي المستقبلية واردفت قائلة: إن الجماعة الذين ترتبط بهم هم من أفضل الناس “ولهم سمعة كتير طيبة.” أمّا والدي فكان من نفس الرأي ودعا لي بأطيب الادعية.
بعد يوم من الراحة قصدتُ بيروت برفقة والديَّ حيث التقينا بابنة عمّي دنيا التي رافقتنا للتسوّق في محلات المجوهرات لشراء ما يقتضي تقديمه للعروس ليلة الاحتفال بالخطوبة. قمنا بالتزوّد بما راق لنا وعدنا في المساء الى المنزل.
بعد بضعة أيام من ذلك كانت عودتي الى الرياض بعد ان امضيت عيد الميلاد من تلك السنة بجوار والديّ وأخي صلاح والاقارب ! زوّدني والدي برسالة خطّها بيده معنونة باسم والد ميشا يطلب بها يد ابنته لي! وددتُ لو بقيتْ بحوزتي تلك الرسالة كون أسلوب الوالد امتاز بأسلوبه الذي لا يُقلّد!
كان موعد الخطبة مساء أول يوم من سنة ١٩٨١. كانت الأمسية في منزل والديّ ميشا في منطقة الملز. أعدّت والدة ميشا العديد من المأكولات المنوّعة وقد تمّ تقديمها على الطاولة في الرواق الذي كان في وسط المنزل. وقد دعوت الكثير من الأصدقاء الذين كنت أعرفهم في تلك المدينة. كان الاحتفال في الصالون الذي كانت تحيط به مقاعد شبه عربية وكان يتسع لعدد كبير من المدعوين. قام ابن عمّي بطلب يد ميشا لي مفدّما الرسالة التي كتبها والدي لوالد ميشا! قرأها والدها ورحّب بالطلب وصافحني وصافح ابنته وقام بالتمني لنا بالتوفيق!
قمت بتقديم المجوهرات لميشا بعد ان ألبستها خاتم الخطوبة! قام الجميع بتهنئتنا وأخذ الصور التذكارية!
وهكذا انتهى هذا الفصل من الذكريات والى الجزء السادس قريباً!