
قصّة زجاجة الشمبانيا
فيما كنت جالساً بجانب زوجتي في وليمة أعدّها صديق للترحّم على والدته التي وافتها المنيّة منذ أسابيع، بادرتْ صديقة تجلس قبالتنا وتكلّمت عن كيف أن الحياة تمرّ بسرعة، وقد يؤجل المرء التنعّم بشيء لغدٍ أفضل، وقد لا يأتي ذاك اليوم!
قلت لها: سأذكرُ لك “قصّة زجاجة الشمبانيا ” وقد عشتها بتفاصيلها!
رفعت حاجبيها وأصغتْ:
“ما أن فتحتُ عينيَّ على الدنيا حتى أبصرتُ في بيتنا زجاجة شمبانيا متألّقة بين مجموعة من زجاجات المشروبات الروحية التي اصطفّت عن يمينها ويسارها فوق البوفيه الخشبي ذي اللون الأسود في غرفة الطعام المصنّعة من ذات النوع، بتصميمٍ تميّزت به مفروشات منتصف القرن الماضي. كانت زجاجة الشمبانيا تلك، أضخمَ حجماً من رفيقاتها، لونها أخضر داكن، بينما يرتفع رأسها وهو معمّمٌ بورقٍ ذهبيٍّ متجعّد، يتضخّم عند رأسها ليضيق عند العنق ثمّ يتّسع مع اتساع الرقبة حتى ابتداء وسط القنّينة.
أما “الإيتيكيت” الملصقة عليها بلونٍ بيجيّ فلم أعد أذكر ما كُتب عليها!
علمتُ فيما بعد أن تلك الزجاجة قيّمة وقد تلقّاها والدايَ كهديّة لدى حفل زواجهما. إلّا أنهما قرّرا أن يفتحاها لدى ولادة المولود الأوّل! وها أني “شرّفتُ” على هذه الدنيا وقد نسي الوالدان فتح الزجاجة !
وبعد ثلاث سنوات لولادتي تمّ الإعداد لحفل عمادتي وقد تمّ إجراؤه في كاتدرائية مارجرجس في منطقة البرج، وسط بيروت، والقريبة من منزلنا آنئذٍ! تبع الاحتفال وليمة عشاء كبيرة في بيتنا ضمّت العديد من الأقارب والأصدقاء والشخصيات الذين ربطتنا بهم علاقات مودّة، وكان بينهم مسيحيون ومسلمون، وأذكر منهم الشيخ أحمد حمود الذي ألقى كلمة ما تزال أصداؤها تتردّد في أذنيّ، وإن لم أكن أفهم الكلمات وقتئذٍ!… وبقيتْ القنينة قابعة في مكانها!
بعد ذلك تمّ العزم على فتح الزجاجة عند نيلي الشهادة! إلّا ان الشهادة الابتدائية كانت “إبتدائية ” كما الشهادة المتوسطة كانت “متوسطة”! أما لدى حصولي على شهادة البكالوريا (القسم الأول) فضّلنا ان يكون ذلك لدى فوزي بالقسم الثاني ، إلّا اننا نسينا مرّة أخرى!
بعد نجاحي في نيل شهادة الهندسة من جامعة القديس يوسف في بيروت نسينا مرة أخرى فتح القنية!
بعد سنوات من ذلك كان حفل زواجي! حتى لا ننسى فتح الزجاجة ، تم وضعها في البرّاد ليتم فتحها مع باقي قناني الشمبانيا لدى الاحتفال! إلّا ان القيمين على التنظيم فتحوا مجمل الزجاجات ونسوا فتح تلك القنينة!
وهكذا بقيت تلك الزجاجة على ذاك البوفيه إلى ان غزا منطقتنا الآمنة مسلحون وأضطر والداي وأخي الى الهروب تحت الرصاص، وتركوا كل شيء في مكانه!
والأسئلة التي تحيّرني ولا أجد لها أجوبة هي:
هل حافظت الزجاجة على جودتها وتلذّذ بها من شرب منها؟
هل نتن طعمها مع الزمن وفقدت الكثير من أصالتها ؟
أم ان المهاجمين كسروها دون ان يتذوقوها؟