ما هو أغلى: الحياة أم الحرّيّة ؟

ما الأهم: الحياة أم الحرّيّة؟

لدى وفاةِ كلّ شابٍ (أو شابة) من أجل قضيّة، أجدُني مضطربًا لدى استذكار أناسٍ احتضنوه حتى يومه الأخير! وفي مقدّمتهم تلك الأم التي حملته في أحشائها أشهرًا طوال، وأحسّت بكلّ ركلاته، وعانت الأمرّين، وتألّمت، وصرخت من توجّعها حتى أخرجته للحياة! ثم حضنته وحفّضته وغيّرت البسته التي اتسخت، ونظّفته ولفّتْه وواظبت على إرضاعه من ثدييها حتى نبتت أسنانه، وكم من ليالٍ حرَمَ عنها النوم للاهتمام به والسهر عليه!

وما ان كبرَ حتى ازدادت مطالبه. وأصبح لا يرضى بما يُقدّم له، بل أضحى يطلبُ ما يريد! ربّاه والداه بالشبر والفتر، رافقاه من وإلى مدرسته. حصّل العلم طلباً للعُلى، وما أن أصبح يانعاً حتى ناضل من أجل الحرّيّة، وإذا بنا نفقده بلمحة بصر، بعد أن خرَّ جثّة خامدة خالية من الحياة! ونُعزّي أنفسنا بأنه أصبح شهيداً في دنيا الخُلد، تلك الدنيا التي لم يأْتِنا منها مخبر، ولم يعد منها مغادر…

وما نفعُ الحريّة إذا جاءت بعد الممات؟

وكم من الطغاة تجبّروا، وقيدونا بالسلاسل، وزجّونا بالسجون! ناضلنا كثيراً حتى أقصيناهم، وقضينا عليهم ونفّذنا بحقّهم أقصى العقوبات…

كانوا قد كمّوا أفواهنا، وعذّبوا أجسادنا بعد أن رصدوا تحرّكاتنا وتنصّتوا على مكالماتنا! أعدموا منّا أناساً يعدّون بالآلاف…

إنما الويل، وكل الويل، لأُمَّة فاق فتكُ مناضليها، وطالبي التغيير فيها، ذاك الذي عُرف في زمن جزّاريها، وأصبحت الضحايا تُعدُّ بالملايين بدل الآلاف، ممّا جعل المواطنين يهجرون أوطانهم، ويهُجُّون طلباً للأمان، في أي صُقْعٍ كان!

في مشرقنا، أو في مغربنا العربي، عندما أبدأُ بتعداد البلدان التي دُمّرت، بفعلٍ خارجيّ أو بسواعد أبنائها، والتي تمّ فيها القضاء على مستقبل أجيالها الناشئة، أولئك الذين ما زالوا أحياء، أجدني أتساءل: هل أصبْنا في ما صبونا إليه؟ أما كان أجدى بنا أن نُفكّر ملياً قبل أن نُقدم على إجراءات أودت بأوطاننا الى الجحيم وكلفتنا الملايين من الضحايا دون أن نصل إلى أي شاطئ أمان؟ إلى جانب ذلك هدرنا ثروات لا تُعوّض وبتنا نشحذُ كالبؤساء!

وما يحدث في شرقنا الحبيب يجري أيضًا في الكثير من البلدان! هل ننسى ما يحدث في أميركا اللاتينية وكوبا وافريقيا وبعض بلدان آسيا وأوروبا الشرقية ؟ هل من العدل أن نجوّع شعوباً حتى ننتقم من حكامها؟

أمّا تلك القوى العظمى التي شجّعتنا على العصيان، فهل كان همّها الأوّل إعطاءنا حريتنا أم كانت لديها أهداف خفيّة؟ هل حصلَ أن أيّ بلدٍ من بلداننا تمكّن من الحصول على الحرية المرجوة ، وهو ينعم الآن بثمارها؟

ويبقى السؤال الذي لا أجد له جواباً: ما هو أغلى على الإنسان: حريته أم حياته؟

قياسي

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s