
وداعاً يا بلدي…
مجدداً أستودعك الله يا بلدي…
هذه ليست المرة الأولى التي أُودِّعكَ فيها! ليس بإمكاني تِعدادُ المناسبات التي جَعلْتَني فيها أُجدّدُ يأْسي بكَ وأفقُدُ أملي بعودتك إلى حياةٍ طبيعية!
إلّا أنّي في هذه المرة، أودّعكَ عن بعد، حيث تفصلُ بيني وبينك المحيطات!
لم يعُد يعني لي شيئًا ترابُكَ الخصب وخضارُك الساطع وهواؤك النقي وسماؤُكَ الزرقاء وجبالُك الشامخة وبحرُكَ المائج وحتى أرْزُكَ الخالد! لم يتبقّ من خلودكَ إلّا ما تردّد عل أُذُننا منذ صِغَرِنا عن ذكرِكَ في الكتب المقدّسة! كنّا لدى سماعنا اسمكَ ننْتشي من رائحة البخّور التي نخالُها تنبعثُ في الهواء!
لا نذكرُ خيراً من ماضينا إلّا الحب الذي خصّصناكَ به، بلا حدود، والذي جعلَنا نراهنُ عليك، مرّاتٍ متعددة، وها نحن قد فقدنا الرهان مجدّداً!
ها انّ ما تبقّى لنا من العمرِ أقلّ بكثيرٍ مما مضى، وشارفنا على مغادرة دنيانا والأملُ الذي عِشنا له أصبح سراباً، ومنالاً لا يُدركْ!
حتى العنزة هجرتْ مرقَدها فيك!
سأُزيلُ من قلبي ذاكَ الوطن الذي أحببت، وأترُكه حلبة لصراعِ ديوكٍ تتنازعُ على سُلطانها!
في الغابِ تفترس الذئاب قطعان الغنم والغزلان وذلك حتى تشبع، إلّا في بلادنا فلم يبق للأكلِ إلّا ما لا يؤكل!
كثرةٌ في الأديان وقِلّةٌ في الإيمان!
أخالُ الخالقَ قد غسلَ يديه من أمرنا، وترك المرضَ يستشري في جسمنا، ولْيمُتْ من لا يستطيع مقاومة سرطان جسده!
لم يعد يُهمّني أن انتمي الى بلاد لا خير فيها!
وطني ليس في الأرض التي استشهدَ كثيرون من أجل حمايتها، وظلّت مسرحًا للتقاتل!
وطني هو أنتم، الخيّرون والطيبون من أهل بلادي، والذين لم يُوسّخوا أيديهم بقتال لا ينتهي، والذين أبوا ان ينجرفوا في تيارات الشرّ والعنف!
أنتم، أينما أجدكم، يا أيها الطيبون، سأبقى ولياً لكم، وسأجد فيكم الوطن الذي سيبقى شُعلةً لا تنطفئ في قلبي!