
هل ولّت أزمنة الاستعباد الى غير رجعة؟
للتطرق إلى هكذا موضوع لا بدّ من العودة الى الماضِيَيْن: البعيد منه والأقرب الى أيامنا هذه!
الماضي البعيد
في تلك الأزمنة كانت الملَكةُ للقوّة البشرية وكان من يتمتّع بفائضٍ منها يطغو على مجتمعه ويُسيطرعلى من كان حوله من الرجال ويجعلهم يُنفّذون مطالبه دون نقاش وينضوون تحت إمرتِه ويستميتون في سبيل تلبية مآربه ونزواته. وكانت كلّ مجموعة تشكّل قبيلة، وكانت القبائل تتناحر ومن ثمّ يسيطر القويّ على الضعيف الذي ينضوي مرغماً تحت لوائه، ويستمرّ التقاتل حتى ينتهي الأمر الى السيطرة على بقعة من الأرض تضمّ مجموعة القبائل التي استسلمت لسطوة ذاك القائد الشرس الذي يُنصّب نفسه على المجموعة برتبة أمير أو ملك أو غير ذلك…
الماضي الأقرب
عندما بدأت تنضب خيرات منطقة ما، كان أهلها يلجأون إلى التعدّي على البقع المجاورة طلباً للاستيلاء على مقدّراتها من أجل العيش الرغد! وهكذا نشأت الإمبراطوريات والسلطنات والممالك، وبدأت الحروب التي تسبّبت بزهق أرواح الآلاف المؤلفة من الرجال والنساء والأطفال! والذي يظنّ ان التمازج الذي حصل بين الأعراق مردّه إلى الحب، لهو مخطئ وبعيد عن الواقع! إن ذاك الاختلاط مردّه إلى الكراهية وحدها وهي التي كانت تتحكّم بعقول الأفراد! لدى الغزو، كان الأقوياء يقتلون الرجال ويسبون النساء ويغتصبونهن، لأن قمة التحقير تكمنُ في النيل من شرف أي شعب عبْرَ الاعتداء على نسائه، وكان ذلك أكبر مكافأة للمقاتلين! وَجَعي على الملايين من النساء اللواتي اغتُصبن تحت العنف، بعد أن شاهدن قتل رجالهنّ أو أسرهم، وحملن من نسلٍ يكرهنه، واضطررن إلى تربية أولادٍ لم يرغبنَ بمجيئهم الى هذه الدنيا!
وقد تكاثر الاستعباد عبر التاريخ، إذ كان المستعبَدون يُجرّون بالسلاسل ويُشحنون بالبواخر كالماشية ويباعون بالأسواق كأية سلعة…
وإذ بدأ القرن العشرون، وبعد إبرام المواثيق والقوانين التي تساوي بين الشعوب، ظننّا ان زمن الاستعباد قد ولّى إلى غير رجعة، إلّا أنه لا فائدة من تشريع يبقى حبراً على ورق، وإن الاستعباد ما زال موجودًا في بعض الأقطار وإن قلّت وتيرته!
الاستعباد الجديد
وإذ أصبحت القوانين تحمي المواطن بشكلٍ عام، تتطوّرت وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا على نحوٍ لم يكن في الحسبان!
وبعد أن نال المواطن حريّته في مجالات متعددة، ظهرت وسائل جديدة تُقيّد الانسان بنوع جديد من السلاسل:
- معرفة قدراته الماديّة بشكلٍ دقيق من أجل إيقاعه في فخٍ محكم.
- مراقبة حركته وأماكن تواجده.
- التنصّت على مكالماته ومراقبة مراسلاته واتصالاته.
- كشف رغباته الآنيّة والمستقبليّة.
- معرفة نقاط ضعفه للتوصّل إلى إغرائه بعرض ما يشتهيه.
- إغراقه بديون تجعله مقيّداً بسلاسل من نوع جديد.
- جعله يغامر بتوظيف أمواله حيث يتعرّض إلى أن يخسر كلّ شيء دون أن يستطيع وضع اللوم على أحد.
- إغواء المراهقين بنمط حياة ووعود غير صحيحة لجرّهم إلى الانجراف في القيام بمهام قد تقضي على مستقبلهم.
- التأثير المتزايد على تربية النشء الجديد بحيث ينحرف إلى ما لا تُحمد عُقباه.