
فليسامحني كلّ من سيقرأ كلماتي ويطّلع على ما سأدلي به!
عُرفتُ منذ زمن، بأنّي أمشي منفرداً وبخطىً ثابتة في طريقي، ولا ألتحق بالقطيع الذي يزحف باتجاهٍ مغايرٍ خلف كرّاز يتبع سيّده، ولا نعلم إن كان ذاك القطيع يتّجه نحو المراعي الخصبة أو الأراضي القاحلة!
ضقتُ ذرعاً بالتغنّي بأن لغتنا العربيّة هي من أغنى لغات العالم بعدد الكلمات التي تحويها! وإن عدد تلك الكلمات يتجاوز ١٢ مليونًا وهو عشرون ضعفًا لعدد الكلمات التي تحويها اللغة الإنجليزية وثمانون ضعفاً لما تحويه اللغة الفرنسية!
وهذا ما يجعلني أتساءل: هل نجد بشرياً واحداً مرّ عبر التاريخ وقد تمكّن من استيعاب كلّ هذا الكم من الكلمات ؟ حتى المعاجم تعجزُ عن احتوائها…
وما الفارق بين كلمةٍ نجهل معناها ، أكانت في العربية أو أيّة لغة أخرى؟
ومع توافر كل هذه الكلمات العربية، نجد ضعفاً لدى مجمل المتعلّمين في كتابتها دون أخطاء، في الوقت الذي نجد صعوبة في وصف أيّ من الأمور التي تحدث معنا خلال النهار، ونفاجأ بأن أكثرية النشء الطالع يلجأون الى لغة أجنبيّة للتخاطب اليومي عبر ما يتداولونه من رسائل! ألا يعود ذلك إلى أن معظم مخزوننا من الكلمات العربية انقرض أو بَطُلَ استعماله بينما نفتقر إلى إيجاد مفردات حديثة لوصف أشياء وأدواتٍ ومواقف نصادفها يومياً ولا نجد في لغتنا الغنيّة ما يُغني عن اللجوء إلى كلمة أجنبيّة تفي بالحاجة!
لدى لقائي منذ أكثر من سنتين بمجموعة من الأصدقاء الذين يهوون كتابة الشعر وإلقاءه، وإذ وجدوا لديّ بعض الإلمام في اكتشاف أخطاء لُغويّة يقترفونها ، طلب منّي أحدهم أن أقوم بتصحيح نصٍ قام بكتابته. وإذ كنت أقرأ نصّه وقعت على كلمة “الهزبر” فسألته عن معناها. انتفض وصاح بي وهو يسحب من أمامي ورقته: “أنت تُصحح لي ما كتبتُهُ ولا تعرف معنى الهزبر؟ إنه الأسد!” أجبته أني قد نسيت معنى تلك الكلمة التي لم أصدفها منذ طفولتي ولم أستسغ استعمالها في نصّ أدبي!
وهنا أتساءل: ما الفائدة من معرفة المئات أوالألوف من المرادفات للسيف والحصان والأسد وغير ذلك بينما لا نلجأ إلى استعمال تلك الكلمات في كتاباتنا إلّا فيما ندر؟
وبالنهاية أستخلص ما يلي:
- أمّا أن يعرف المرء المزيد من المرادفات فهذا شأن يعنيه وحده مباشرة ويدلّ على اتساع ثقافته وكثرة مطالعاته.
- أمّا عندما يكتب الانسان نصاً ، فهذا أمر يعني قرّاءه، وإذا احتاج هؤلاء القرّاء للاستنجاد بالمعجم لاستيعاب كلماته فهذا يُعدّ أنه قد أخفق في كتاباته إذ لم يتمكن من إفهام قارئيه دون أن يطلبوا المساعدة!
أما بالنسبة لي، فقد لا أتقن أكثر من ألف كلمة من أصل ال١٢ مليون كلمة الموجودة في لغتي، وأستعمل ما أعرفه في مجمل كتاباتي وأشك بأن أحداً ممن قرأوا نصوصي لجأ للمنجد لفهم ما قمت بكتابته…