التمييز بين الشعوب

ما ان كوّن الخالق الأصقاع على هذه المعمورة، حتى جعل على كلٍّ منها خيرات متنوعة تنبتُ حسب قحالة أرضها أوخصوبتها، جفاف مناخها أو غزارة أمطارها أو تراكم ثلوجها، تعداد أنهارها أو تعدد بحيراتها وبحارها، استواء سهولها أو وُعورة معالمها، كثرة خَضارها أو امتداد صحاريها،  شدّة حرّها أو قساوة صقيعها، عمق ترابها أو كثافة صخورها، شموخ جبالها أو قعارة وُديانها، سطوع شمسها او خُبُوّها، طول لياليها أو قصر أنهُرها… 

وقد ملأ أجواءها وأراضيها ومياهها بأجناس لا تُحصى من الكائنات، منها ما يقتات من خيراتها الطبيعية النباتيه ومنها من يُحَصّل رزقه باستفراد غيره من الكائنات فينقضُّ عليه لالتهام لحمه لإشباع جوعه وملء أمعائه!

وكذلك أوجد الإنسانَ على جميع القارات، إلا أنه جعل على كلّ قسمٍ منها جنساً مختلفاً من البشر، يتميّز عن غيره من ناحية طول القامة والقوة الجسدية وسرعة الحركة والذكاء الطبيعي واللجوء الى الحيلة أو الغدر وذلك بالإضافة الى الاختلاف في تفاصيل معالم الوجه ولون البشرة والعينين والشعر وثنياته وكثافته، وحتى من ناحية الرائحة التي تفوح من الجسم… وكان كل شعب يعيش على الرقعة التي وُجد عليها، يقتات ممّا كانت تُنبته الطبيعة حوله، ويصطاد ما بإمكانه استهلاكه. وهكذا كان تنوّع اللغات المحكية لأن كلّاً منها كانت حكرًا على شعب دون غيره! 

وهنا يجدر التساؤل: اذا كانت النباتات والحيوانات مرتبطة بالمناخ والمنطقة التي وُجدت عليها، أما يحقّ لنا التفكير بأن كلّ شعبٍ وُجد على رقعة معيّنة ليعيش عليها؟

بعد دراسة أسباب الاختلاط الذي حصل بين الشعوب على مدى العصور، نستخلص أن المحبة لم تكن يوماً الدافع الأساسي لحدوثه! كان السبب الرئيسي يعود الى الكراهية المتأصلة بين تلك الشعوب وأما الهدف الأساسي فلم يكن إلا الاستيلاء على أرزاق الشعب المستضعف! ما ان تشحّ مصادر العيش لدى شعب ما، حتى كان أفراده يتجمّعون ويخرجون من الإطار الذي يعيشون ضمنه ويغزون غيرهم للاستيلاء على أراضيهم ومحاصيلهم واغتصاب نسائهم كمكافأة إضافية والتي لم تكن من باب الانجذاب الجنسي بل للانتقام وإظهار المزيد من الحقد والكراهية! 

مع ان تكوين معالم وجه الإنسان لا يسمح له برؤية معالمه الشخصية، إلّا أنه يميل الى استحسان أبناء جنسه ورؤية جمالٍ لا يراه من كان متأصّلاً من أجناس أخرى. ويبدو أنه يعرف أبناء قومه من شكلهم ويمكنه التمييز بينهم وبين غيرهم حتى من العطر الطبيعي الذي يفوح من أجسامهم!

وهكذا استعبدت شعوب غيرها من الأمم ونقلت الأفراد مكبّلين بالسلاسل الحديدية كما تنقل الماشية ضمن بواخر جابت بهم المحيطات ليتم إرساؤهم في الأميركيتين حيث عانوا الأمرّين طوال أجيال وما زالوا أقل اعتباراً من غيرهم وذلك حتى بعد انقضاء مئات السنوات بعد ان تمّ تحريرهم!

الشعوب التي استعبدت غيرها لم تكن الأذكى أو الأفضل بل كانت الأدهى والأأذى والأشر والأكثر عداءً!

قد لا يكون من السهل التغلّب على النزعة العدائية والتي تولد مع الفرد وذلك تجاه الشعوب الأخرى إلّا أن من يظنّ أن الشعوب وُجدت لتتعايش على التمام والكمال وتتزاوج دون أي نزعة معادية قد لا يكون مصيباً في استنتاجه وقد لا ينعكس ذلك على أرض الواقع!

قياسي

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s