
كان والدي في مطلع عمره متعدّد الهوايات. فبالإضافة الى أسلوبه المميّز في الكتابة كان يحبّ الموسيقى ويهوى التمثيل والمسرح. وإذ كان تلميذاً في مدرسة “الفرير” في صيدا، تألّق في أخذ أهمّ الأدوار في المسرحيّات التي نظّمتها المدرسة باللغة الفرنسية.
في إحدى الأمسيات المنظمة في تلك المدرسة حضر عمّي شفيق ليحضر المسرحية التي يقوم ببطولتها أخوه كمال (والدي). وإذ صدفه “الفرير” المسؤول وهو يعرفه، سأله: “أنت لا تفهم الفرنسيّة، فماذا جئت تعمل؟” أجابه:”صحيح أنّي لا أعرف الفرنسية، إنما أعرف كيف أُصفّق!”
بعد سنوات من ذلك وبالتحديد سنة ١٩٤٣ قرر والدي إقامة مسرحية في باحة منزل العائلة في بلدة الرميلة ودعا الى حضورها أهل القرية والكثير من الأصدقاء. عنوان المسرحيّة “دكتور بالزور” قام بكتابتها باللغة العاميّة بعد اقتباسها عن مسرحيّة “موليير” Le médecin malgré lui . احتفظتُ بنسخة المسرحية الأصليّة المكتوبة بخط والدي حتى اندثرت واحترقت مع ما كان في المنزل سنة ١٩٨٥
وإذ كانت تربط والدي صداقة بالمغنّية الراحلة “صباح” التي بدأ نجمها يسطع في ذاك الوقت ، طلب منها الغناء في فاصل الاستراحة. وإذ كان لا بدّ من استحضار من يعزف لها، عرّفته على عاصي الرحباني الذي كان شرطياً وقالت له : “بتدفع له عشر ليرات، بتكفّيه”. وهكذا كان .وقام بالعزف على الكمان. وبعد سنوات التقى والدي بعاصي بعد حضور أولى مسرحيّاته فبادر والدي بالقول:”أنت أوّل من أقنعني أنه من الممكن ان ننجح بالتمثيل باللغة العاميّة!”
أمّا عن فيروز فقد استقيت بعض المعلومات من صديقي الأستاذ إميل ديب الذي كان يلحّن في الإذاعة اللبنانية في تلك الفترة الزمنية. كانت نهاد حداد (فيروز) تعمل في كورس الإذاعة وتغنّي مع غيرها بينما كان عاصي يعزف على البزق والكمان مع الفرقة الموسيقية.
ولمّا بدأ عاصي يُعطي للفولكلور القديم ألواناً جديدة، كان يقوم بتلحين أغانٍ تقوم أخته بإدّاء الغناء بعد ان يكون الفنان الإيطالي “مارتشنيزي” قد قام بتوزيع الموسيقى. الّا ان النجاح لم يكن الّا محدوداً.
وإذ كان الموسيقار حليم الرومي يشغل منصب رئاسة القسم الموسيقي في الإذاعة اللبنانية، سأل عاصي يوماً: ” لمَ لا تستعين بنهاد التي لها صوت دافئ وجميل وممّيز عن غيرها؟” وهكذا كانت البداية…
سنة ١٩٥٤ قامت راهبات قلب يسوع في بيروت بتنظيم رحلة الى الشام (دمشق) لزيارة مدرسة للراهبات هناك. وإذ كانت فيروز من تلامذتهنّ وقد أصبحت مشهورة، طلبن منها ان تغنّي على مسرح المدرسة في “باب توما”. إلّا انّها لخجلها رفضت ان تظهر على الحضور وأبت ان تغنّي إلّا من وراء الستار!