امتحان لقيادة السيّارة غير شكل

IMG_3665

تختلف طرق قيادة السيّارات بين بلدٍ وآخر! وإن كانت قوانين السير متشابهة على الورق إِلَّا انها تتباعد كثيراً عند التنفيذ. ففي الوقت الذي كنت أظنّ فيه ان أفضلية المرور في بلدٍ كلبنان يأخذها من كان غير خائفٍ على حياته ويهجمُ بسيّارته وهو غير عابئ بأحقّية غيره من السيارات الّا اننا في رمشة بصر نجد نفس السائق المتهوّر يضغط على الكابح بأقصى قدرته ليجمّد سيّارته امام سائقٍ آخر يفوقه جنوناً في قيادته!

أذكرُ جيداً كيف قدَّمت فحص القيادة في مركز كان مخصَّصاً لذلك في منطقة وادي شحرور التي تقع على ربوة قريبة من بيروت. كان أهالي المتقدمين يواكبونهم الى المكان ويصطفّون من الصباح الباكر على جانبي الطريق المخصّص للفحص وذلك لمتابعة الإمتحانات العمليّة بتفاصيلها. وباعتبار ان الامتحانات تجري على سيارات من نوع “جيب” زيتيّة اللّون كان لا بد من تلقين المتقدّم بعض البديهيّات حتى لا يرسب بالفحص، منها مدّ اليد اليسرى من الشبّاك قبل التوقّف او مد اليد اليسرى ايضاً والتلويح بها قبل الانعطاف على مفرق ما، كما عدم إغفال إطفاء المحرّك وسحب المفتاح لدى الانتهاء من الامتحان، إذ ان أيّ إهمال يؤدّي الى الرسوب!

بعد سنين انتقلت الى فلوريدا في الولايات المتحدة ممّا حتّم عليّ التقدّم بامتحان جديد لأن الولاية لا تعترف برخصة غير تلك التي تصدر عنها! قمت بقراءة كتاب يجمع معظم الأسئلة التي يتناولها الامتحان وقدَّمت فحصي ونجحت بسهولة!

خلال تلك الفترة الزمنيّة كان الكثيرون من أبناء الوطن يغامرون بالسفر مع عائلاتهم الى الولايات المتحدة هرباً من الوضع في لبنان! بينهم كان “جورج” الذي وفد مع عائلته وسكن بالقرب من أخيه، رجل الاعمال ، الذي كان قد حصل على الجنسيّة الامريكية قبل عقود. وإذ لم يكن حين ذلك بمقدور جورج الحصول على رخصة قيادة سيارة نظراً لعدم تمكّنه من اللغة الانجليزية، ارتأى أخي صلاح ان نسأل الدائرة عن إمكانية إحضار مترجم!

لدى وصولنا للمركز سأل صلاح أحد المسؤولين، والذي كان يرتدى بزّةً عسكرية، عن تلك الإمكانيّة وكان الجواب بالإيجاب على شرط أخذ موعد مسبق لذلك! التفت اخي نحو المسؤول وأكمل محادثته باللغة الانجليزية قائلاً: ” وانا لا أحسن النطق بالانجليزية فهل بإمكاني احضار من يترجم لي؟” أجابه: “بالطبع، نعم!”

في الموعد المُقَرَّر حضرت برفقة كلٍّ من جورج وصلاح. طلبتْ منّي الشرطيّة المسؤولة عن الامتحان القيام بمهمة الترجمة. جلَّ ما كنت أخشاه ان يجيب أحد المتقدّمَين إجابة خاطئة وأقعُ انا بين سوءين: إما الترجمة الصحيحة للخطأ وهكذا يتضرّر صديقي او أصحّح الخطأ من خلال الترجمة وهكذا أسيء الى ضميري!

الحمدلله أَنِّي لم أحتج الى الوقوع في وضعٍ مشابه! مرّ في البداية أخي ونجح في الامتحان وجاء بعد ذلك دور جورج!

أما جورج فكان معتدل القامة ممتلئ الجثة ذَا بشرة بيضاء وعينين زرقاوين وخدّين منتفخين يغلب الاحمرار عليهما وشعر راْسه مزعتر أشقر قليل الطول. جلس على كرسي عن يميني بينما كانت الشرطيّة التي ترتدي زيّها الرسمي تجلس وراء مكتبها وبدت بعينيها الكبيرتين في الثلاثين من العمر، نحيلة الجسم شعرها أشقر معتدل الطول وقد سرّحته وربطته وراء رأسها!

بدأت الشرطيّة تسأل من خلال كتاب كان معها وكنت أقوم بالترجمة بينها وبين صديقي! ثمّ ارتأت ان تسأل السؤال التالي:” عندما توقف سيارتك على جانب طريق يرتفع نحو الأمام ولا يوجد رصيف على جانب الطريق، كيف تُدير إطارات السيّارة؟” أجاب جورج: “نحو اليسار”. أجابته: “لا، بل نحو اليمين حتى إذا “كرّت” السيّارة تتجه نحو خارج الطريق!” ترجمت ما قالته لجورج وطلبت منه ان يتمتم بعض الكلمات وكأنه يشرح لي تعليقاً ما. التفتُّ نحو الشرطيّة وقلتُ لها: “جورج يطلب منكِ مراجعة الكتاب لان الإجابة مختلفة عمّا تقدّمتِ به!

نظرت نظرة استغراب واخذت تُفتّش عن الإجابة بين الصفحات! ما ان وجدتها حتى انتفضت واقفة وتقدمت نحو جورج وأمسكت بيده اليمنى بكلتي يديها واخذت تهنّئه على ذكائه بينما هو لا يدري ما يحدث وقد زاد احمرار وجنتيه و”برزقت” عيناه بتعجّبٍ لا يوصف!

وهكذا نجح جورج في الامتحان!

قياسي

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s