عزيزي أنا
اكتب لك هذه الكلمات بعد أن سئمت من معرفتك طوال هذه السنوات! رافقتُ دقائق حياتك باللحظة وعشت معك أحلامك وآلامك، وأفراحك وأتراحك، وتنهداتك وتأوهاتك، ونظراتك وابتساماتك، وبكاءك وقهقهاتك، وأسرارك وخفاياك!
ماذا جئت تفعل في هذه الدنيا الفانية؟ بِرَبِّك ما كان هدفك؟ حتى اليوم ما زلتَ لا تعرف ماذا تريد!
هل تذكر يومك الأوّل عندما فتحتَ عينيك على دنياك ووجدت أناساً يصدرون أصواتاً غريبة لا تفهم منها شيئاً؟ حاولتَ ان تسألهم بلغتك يومئذٍ عمّا كنت تفعله معهم ولم يفهموا عمّا تسأل! كل ما فعلوه كان ان ضمّوا رأسك الى صدر امرأة ادخلت حلمة ثديها في فمك وهي تقول: “أرضع يا حبيبي، أرضع يا ماما!” وانت غير قادر على تحريك رأسك جعلتَ تمتص ذاك السائل المغذّي ونسيتَ سؤالك!
أتذكر كيف كبّلوك طوال اشهر بقماش قطني يسمى “ملفّة” وانت غير قادر على الحراك كما كنت تفعل في رحم والدتك قبل ولادتك وكانوا يدّعون ان ذلك ضروري من أجل تقويم عظامك؟
أنسيت كيف خطوتَ خطواتك الأولى وكنتَ تتأرجح من اليسار الى اليمين غير واثق من التحكم بدعسات رجليك؟ ألا تذكر أيضاً اول كلمة تفوّهتَ بها بلغة ذويك وكيف صفّقوا لك من فرحهم؟
أوَنسيتَ أول مدرسة أممتها لدى الراهبات الأرمنيّات اللواتي كنّ يوخزن بالدبابيس كل طفل يتجرأ على عصيان الأوامر الصارمة؟
ألا تذكر كم تمنّيتَ ان تكبرَ وتصبحَ رجلاً بين الرجال؟ وما كان إنجازك الكبير بعد ان كبرت؟ ألا تظن أنك فشلت في أكثر من ميدان؟ أتظنّ ان النجاح يكمن في الحصول على الشهادات وفِي تأسيس عائلة وفِي تجميع ما جنيته في ميدان مهنتك؟
لا يا عزيزي! انت لم تنجز شيئاً مهماً يساعد بيئتك وبني جنسك! انت أخفقت في الكثير من المضامير وما زال الشرّ مستشرياً في عالمٍ لم يستفد لا من التاريخ ولا من الأديان!
وأنتَ خلال كل هذه الأزمان التي أمضيتها، أوَ تظنُّ انك ستأخذ شيئاً معك الى مثواك الأخير؟ إن جئت الى الحياة بجسد صغير فستغادره بدون أي شيء!
والآن أتتمنى ان تعود طفلاً لتبداً حياتك من جديد على أسس جديدة؟ لا… لا جدوى من ذلك! لقد أمضيت عمرك ولم تعرف ما جئت تفعله والتهيت بنفسك وبأهوائك ونسيت المهمة التي أُرسلت من أجلها!