تتمّة شرّ البليّة ما يضحك

IMG_3268

بعد ان ساقني الممرّض بالسرير النقال بكل مهارة بين أروقة المستشفى والمصاعد أوصلني الى الطابق السفلي وأدخلني الى غرفة الفحص بالرنين المغناطيسي. كان شكل الماكينة التي تتوسط الغرفة غريباً وبالأخص تلك الفجوة الدائرية الأرجوانية الإشعاع في وسطها والاشبه بدهليز ضيّق والذي يتم إدخال الجسم في وسطه وكأنه تقدمة للآلهة.

ما ان انتهيت من صورة الرنين المغناطيسي وعدت الى سريري في الغرفة وانتظرت بعض الوقت حتى حضر أحد الأطباء ليعلمني بأن الصورة توضح ان الحصوة مازالت في موقعها في المرارة وأنه لا يمكنهم إجراء عملية استئصالها بسبب إصابتي بالبنكرياتيت! ولم يكن من السهل بمكان الجزم عن الْمُدَّة التي سيستغرقها الشفاء من البنكرياتيت: أهي تُعد بالأسابيع او الأشهر أو أكثر؟

قبعت في الفراش بينما كان يتوافد عليّ المحبّون ويحاولون التخفيف من وطأة تأثّري بما حصل وكلّ يقصّ عليّ رواية مختلفة عن إنسان عرفه وقد أصيب بالبنكرياتيت !

كنت اتزّود معظم تغذيتي بواسطة المصل مع وجبات صغيرة غير دسمة! وكنت أمضي معظم وقتي متأملاً بسقف الغرفة واقصد الحمّام المشترك بين آنٍ وآخر وانا أجر عامود المصل. في طريقي كنت التقي “بصاحبي” الصيني الجالس على طرف السرير القريب من مدخل الحمامات وهو لا ينكفّ عن حراك يديه وكأنه شرطي مرور والتكلّم بالهواء!

أما حمام الرجال فكانت قواطعه من رخام “الكريرا” الأبيض القديم والذي تتخلله عروق سوداء وكانت بعض أطرافه مكسورة بينما مجمل الارض كان من الموازيك المصبوب الذي تبرز من خلاله ألوان الحصى الرمادية والبنّية والبيضاء.

بعد ان أقمت أحد عشر يوماً في تلك الغرفة ونقص وزني بمقدارها من عدد الكيلوات اصبح لوني شاحباً وغرقت عيناي في وجهي وفقدت نضارة وجهي. حضرت الطبيبة الي غرفتي وقالت هذا كل ما بإمكاننا فعله الآن وأمرت بسحب إبرة المصل من معصمي وقالت يمكنك العودة الى منزلك بانتظار الشفاء من البنكرياتيت على ان لا تأكل من اللحوم والدهنيات والزبدة وو… وباختصار الامتناع عن كل ما يلتذّ بمأكله الانسان!

وإذ كانت الساعة قاربت الثالثة بعد الظهر كانت زوجتي تعلم انها على قرب من موعد تغيير الطاقم التمريضي والممرضة التي ينتهي موعدها الساعة الرابعة تفضّل إعطاء مهمة الإفراج عن المريض لتلك التي تأتي بعد الساعة الرابعة والتي قد تأخذ أكثر من ساعة لتحضير الأوراق ! لم تكن زوجتي لترضى بهكذا تأخير فلاحقت الممرضات في مركزهنّ مطالبة بتخليص معاملتي. وبعد إلحاح شديد التفتت إحدى الممرضات بزميلتها وقالت لها: اسرعي بأنهاء هذه المعاملات للسيّدة لأنها تريد إخراج والدها من المستشفى! مع ان زوجتي فوجئت بالخبر إِلَّا ان أساريرها انفرجت كونها تعطي الانطباع بأنها ابنتي!

عدت الى البيت وكان نظام أكلي محدوداً بسبب امتناعي عن كل الدهنيات والزيوت وما الى هنالك!

عدت لمراجعة الطبيب بعد أسبوعين الا انه وجد بعد الفحوصات ان وضعي في تقدم ولكن يلزم علي الانتظار مزيداً من الوقت ريثما أتعافى!

إلا ان القدر كان لي بالمرصاد مرة أخرى! ففي الصباح الباكر الذي كان يسبق أحد الفصح لدى الروم انتابني عارض ألم جديد. أيقظت زوجتي واتجهت الى مستشفى “السكري كور” مجدّداً. اصرّ على مرافقتي صديقي فؤاد. كان قسم الطوارئ الجديد قد تمّ افتتاحه وكان في احلى حلة من الترتيب والتصميم و”كاونتر” الاستقبال والمقاعد الجديدة التي لم تكن جدّ مريحة. سجّلت نفسي وقبعت في احد الكراسي انتظر دوري وأحدّق بالمنتظرين. ما ان مضت قرابة الساعة حتى سمعت ما يشبه اسمي ويطلب مني التوجه الى غرفة الأشعة! سألت نفسي: هل يعقل أن أطلب الى الأشعة قبل المرور لدى الطبيب؟ ثم فكرت انه بسبب ترددي المتكرر وإقامتي في المستشفى قد يكون الطبيب امر بإجراء صورة قبل الكشف عليّ!

دخلت قسم الأشعة وسألت المسؤولة: “اسمي آزي Azzi هل قمتم بطلبي؟ قالت: نعم. إخلع ملابسك وتمدّد على المقعد امام “السكانر”. قمت بفعل ما طلبت ولاحظت انهم يفحصون المنطقة الوسطى من جسمي، وهي المعنية بالموضوع! اطمأننت عندئذٍ للكشف!

إلا اني بعد الانتهاء قالت لي:”ستصل نتيجة الفحص الى طبيبك خلال ثلاثة أسابيع!” أجبتها: “نعم؟ انا في قسم الطوارئ وانتظر الطبيب!” ثم بٓحٓثتْ عن الطلب ولفظت اسماً طويلاً يبدو من أصل هندي وينتهي كإسمي “آزي”!

عدت الى غرفة الانتظار ومكثت حتى طلبني الطبيب. قام بفحصي وقال انه يجب اجراء العملية في اليوم نفسه وعلي ان انتظر دوري.

تم إجراء الفحوصات اللازمة لما قبل العملية وتمّ تحضيري. وعند منتصف الليل من عيد الفصح لدى الطائفة الأورثوذكسية كنت في الغرفة التى يحضّر فيها المريض لدخول غرفة العمليات. كانت جدرانها مكسية ببلاط سيراميكي قديم لمّاع وفيه بعض الرسومات الخفيفة! تم وضع سوارة بلاستيكية حول معصمي تحمل اسمي وأعطوني مواداً مهدئة للأعصاب. قلت للممرضين المشرفين عليّ وانا أشير الى الإسوارة: صباح اليوم أجريت فحصاً طبياً لإنسان غيري! أرجو الآن ان لا أجري عملية عن إنسان آخر!

وهنا تذكّرت ما حصل لي قبل عقود عندما دخلت مستشفى رزق في بيروت…